قِطاعٍ إلى آخَرَ؛ لأنَّ عِلةَ الأخذِ منهم الانتِفاعُ والحِمايةُ، وهي مُتحقَّقةٌ في كلِّ حالٍ يَختلِفونَ فيه (١).
ثانيًا: الحَربيُّ:
ذهَبَ الفُقهاءُ إلى أنَّ الحَربيَّ إذا دخَلَ دارِ الإِسلامِ بَعقدِ أَمانٍ ودفَعَ عُشرَ تِجارتِه لا يُؤخذُ منه العُشرُ مَرةً ثانيةً في أثناءِ مُدةِ الأَمانِ التي تَقِلُّ عن سَنةٍ؛ لأنَّ بِلادَ الإِسلامِ كالبَلدِ الواحِدِ بالنِّسبةِ للحَربيِّ.
كما ذهَبوا إلى أنَّه إذا عادَ في السَّنةِ بمالٍ آخَرَ غيرِ الذي عشَّرَه أخَذَ منه العُشرَ.
واختلَفوا فيما إذا لم تُنفَقْ تِجارَتُه التي عشَّرَها ثم رجَعَ بها إلى دارِ الحَربِ ثم عادَ مَرةً أُخرى بها، هل تُعشَّرُ مَرةً ثانيةً أو لا؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ، وهو وَجهٌ عندَ الشافِعيةِ: إلى أنَّ العُشرَ يُؤخذُ منه كلَّما دخَلَ دارَ الإِسلامِ، سَواءٌ عادَ بالمالِ نَفسِه أو بمالٍ آخَرَ سِواه؛ لأنَّ الأَمانَ الأولَ قد انتَهى بدُخولِه دارَ الحَربِ، وقد رجَعَ بأَمانٍ جَديدٍ، فلا بدَّ من تَجديدِ العُشرِ؛ ولأنَّ الأخذَ منهم بعدَ دُخولِ دارِ الحَربِ لا يُفضي إلى استِئصالِ المالِ.
وذهَبَ الحَنابِلةُ والشافِعيةُ في أصَحِّ الوَجهَينِ، وهو ظاهِرُ نَصِّ الإمامِ الشافِعيِّ، إلى أنَّ العُشرَ لا يُؤخَذُ من التاجِرِ الحَربيِّ سِوى مَرةٍ واحِدةً في السَّنةِ ولو تَردَّد إلى دارِ الإسلامِ عدةَ مَراتٍ كالذِّميِّ؛ لأنَّه حقٌّ يُؤخَذُ من
(١) «منح الجليل» لعليش (١/ ٧٦٠)، و «المنتقى» (٢/ ١٧٨).