قالَ ابنُ عابدِين ﵀: وفي «التتارخانيةِ» عن «الصُّغرى»: له دارٌ يَسكنُها ولكنْ تَزيدُ على حاجَتِه؛ بألَّا يَسكُنُ الكلَّ، يَحلُّ له أخذُ الصَّدقةِ في الصَّحيحِ.
وفيها سُئلَ مُحمدٌ عمَّن له أرضٌ يَزرعُها أو حَوانيتُ يَستغِلُّها أو دارٌ غَلتُها ثَلاثةُ آلافٍ ولا تَكفي لنَفقتِه ونَفقةِ عِيالِه سَنةً، فأجابَ: يَحلُّ له أخذُ الزَّكاةِ، وإنْ كانَت قيمَتُها تَبلغُ أُلوفًا، وعليه الفَتوى، وعندَهما لا يَحلُّ (١).
إِعطاءُ الفَقيرِ والمِسكينِ القادِرَيْنِ على الكَسبِ:
اختَلفَ الفُقهاءُ فيمَن يَقدرُ على كَسبِ كِفايتِه وكِفايةِ مَنْ يَمونُه، هل يَجوزُ له أخذُ الزَّكاةِ؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ: إلى أنَّه يَجوزُ له أخذُ الزَّكاةِ وإنْ كانَ قَويًّا مُكتسبًا؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] وهذا فَقيرٌ؛ ولأنَّ ما جُوِّز للمُكلَّفِ حالَ فَقرِه لم يُحرَّمْ عليه لِأجلِ قُوَّتِه عليه في الحالِ الأُخرى، كالصَّومِ في الكَفارةِ لمَّا جُوِّز ذلك له، لعَدمِ مالِه لم يُعتبَرْ في مَنعِه كَونُه قَويًّا قادِرًا على أنْ يَكتسِبَ ما يَتوصَّلُ به إلى العِتقِ؛ ولأنَّ حَقيقةَ الحاجةِ لا يُوقَفُ عليها، فأُديرَ الحُكمُ على دَليلِها وهو الفَقرُ، وقالَ بعضُ الحَنفيةِ: -وهم كما سبَقَ يُجيزونَ الدَّفعَ للفَقيرِ الكَسوبِ-: أنَّه لا يَطيبُ له الأخذُ؛ لأنَّ جَوازَ الدَّفعِ لا يَسلتزِمُ جَوازَ الأخذِ، كما إذا دفَعَ إلى غَنيٍّ يَظنُّه فَقيرًا، فالدَّفعُ جائِزٌ، والأخذُ حَرامٌ.