وقالَ ابنُ قُدامةَ: وما رُويَ عن أحمدَ يُحملُ على الاستِحبابِ دونَ الإِيجابِ؛ فإنَّ كَلامَه يَقتَضي نَفيَ الوُجوبِ (١)، ولكنَّ الاستِحبابَ مُتوجَّهٌ ظاهِرٌ فيُستحبُّ أنْ يَتوضَّأَ.
ثامِنًا: القَهقَهةُ في الصَّلاةِ:
أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ مَنْ كانَ مُتوضِّئًا ثم قَهقَهَ في خارِجِ الصَّلاةِ فإنَّه لا يَنتقضُ وُضوؤُه.
إلا أنَّهم اختَلَفوا فيمَن قَهقَه في صَلاتِه هل يَبطلُ وُضوؤُه أو لا؟
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّ القَهقَهةَ في الصَّلاةِ ليسَت حَدثًا يَنقضُ الوُضوءَ؛ لأنَّها لا تَنقضُ الوُضوءَ في خارِجِ الصَّلاةِ فلا تَنقضُه في داخِلِها؛ ولأنَّها ليسَت خارِجًا نَجسًا، بل هو صَوتٌ كالكَلامِ والبُكاءِ، ولأنَّ الوُجوبَ من الشارِعِ ولم يُنصَّ من الشارِعِ في هذا على إِيجابٍ للوُضوءِ، ولا في شَيءٍ يُقاسُ هذا عليه.
ولكنْ قالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ: الوُضوءُ من القَهقَهةِ مُستحبٌّ في أحدِ القَولَينِ في مَذهبِ أحمدَ، والحَديثُ المَأثورُ في أمرِ الذين قَهقَهوا بالوُضوءِ وَجهُه أنَّهم أذنَبوا بالضَّحكِ، ومُستحبٌّ لكلِّ مَنْ أذنَبَ ذَنبًا أنْ
(١) «المغني» (١/ ٢٤٦)، و «بدائع الصنائع» (١/ ١٣٠)، و «حاشية الطحطاوي» (١/ ٥٥)، و «الفتاوى لشيخ الإسلام» (٢٠/ ٥٢٦)، و «بداية المجتهد» (١/ ٦٧) «الاستذكار» (١/ ١٧٤)، و «كشاف القناع» (١/ ١٢٩، ١٣٠)، و «الإفصاح» (١/ ٨١)، و «الإنصاف» (١/ ٢١٥، ٢١٥).