للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتَّهليلِ والحَوقلَةِ؛ بقَصدِ التَّفهيمِ في أيِّ مَحَلٍّ مِنْ الصَّلاةِ؛ لأنَّ الصَّلاةَ كلَّها مَحَلٌّ لذلك (١).

٣ - التَّأوُّهُ والأنِينُ في الصَّلاةِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في التَّأوُّهِ والأنِينِ في الصَّلاةِ، هل يُبطِلُ الصَّلاةَ أو لا؟

فقالَ أبو حَنيفَةَ وأحمدُ: إنَّ صَلاتَه لا تبطُلُ إذا كانَ مِنْ خَشيَةِ اللهِ تَعالَى، لأنَّه مِنْ جِنسِ ذكرِ الله تَعالَى ودُعائِه؛ فإنَّه كَلامٌ يَقتَضِي الرَّهبَةَ مِنْ اللهِ، والرَّغبةَ إليهِ، وهذا خَوفُ اللهِ في الصَّلاةِ، وقد مدَحَ اللهُ إبراهيمَ بأنَّه أوَّاهٌ، فقالَ تَعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٤]، وقد فُسِّرَ بالَّذي يَتأوَّهُ مِنْ خَشيَةِ اللهِ تَعالَى.

قالَ الكاسانيُّ : ولَو أَنَّ في صَلاتِه أو بَكَى وارتَفَعَ بُكاؤُه، فإن كانَ ذلك مِنْ ذكرِ الجَنَّةِ أو النَّارِ، لا تفسُدُ الصَّلاةُ، وإن كانَ من وَجَعٍ أو مُصيبةٍ يُفسِدُها؛ لِأنَّ الأنِينَ أوِ البُكاءَ مِنْ ذكرِ الجَنَّةِ والنَّارِ يَكونُ لِخَوفِ عَذابِ اللهِ تَعالَى وأليمِ عِقابِه، ورَجاءَ ثَوابِه، فيَكونُ عِبادةً خالِصةً، ولهذا مدَحَ اللهُ تَعالى خَليلَه بالتَّأوُّهِ، فقالَ: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٤]، وقالَ في مَوضِعٍ آخرَ: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: ٧٥]؛ لأنَّه كانَ كَثيرَ التَّأوُّهِ في الصَّلاةِ، «وكانَ لِجَوفِ رَسولِ اللهِ أزِيزٌ كأزيزِ المِرجَلِ في الصَّلاةِ»، وإذا كانَ كذلك فالصَّوتُ المُنبَعِثُ عن مِثلِ الأنِينِ لا يَكونُ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، فلا يَكونُ مُفسِدًا؛ ولأنَّ التَّأوُّهَ والبُكاءَ مِنْ


(١) «حاشية الدُّسُوقي» (١/ ٢٨٣، ٢٨٥)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٣٣، ٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>