وإنْ قال:«أقِرَّ لي بدَيْني وأُعطيكَ منه كذا»، فأقَرَّ لَزِمَه الدَّينُ؛ لأنَّه لا عُذرَ لِمَنْ أقَرَّ؛ ولأنَّه أقَرَّ بحَقٍّ يَحرُمُ عليه إنكارُه.
ولَم يَلزَمْه أنْ يُعطيَه؛ لِوُجوبِ الإقرارِ عليه بلا عِوَضٍ (١).
الصُّلحُ على إسقاطِ بَعضِ الدَّينِ المُؤجَّلِ (ضَعْ وتَعَجَّلْ):
اختَلَف الفُقهاءُ في حُكمِ مَنْ كان له دَينٌ على آخَرَ مُؤجَّلًا، فقال له:«صالِحْني على بَعضِه حالًّا»، أي:«ادفَعْ لي بَعضَه حالًّا وأُسقِطُ عنكَ البَقيَّةَ».
مِثالُ ذلك: رَجُلٌ له على آخَرَ عِشرونَ دِينارًا إلى سَنةٍ مِنْ بَيعٍ أو سَلَفٍ، فلَمَّا مَرَّ نِصفُ السَّنةِ احتاجَ رَبُّ الدَّينِ فسألَ غَريمَه أنْ يَقضيَه فأبى إلا إلى حُلولِ الأجَلِ، فقال له رَبُّ الدَّينِ:«أعطِني الآنَ عَشَرةً وأحُطُّ عنكَ العَشَرةَ المُتبَقِّيةَ».
فذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه إنْ صالَحَ على المُؤجَّلِ ببَعضِه حالًّا لَم يَصحَّ؛ لأنَّه يَبذُلُ القَدْرَ الذي يَحُطُّه عِوَضًا عن تَعجيلِ ما في ذِمَّتِه، وبَيعُ الحُلولِ والتأجيلِ لا يَجوزُ؛ ولأنَّه شَبيهٌ بالزِّيادةِ مع النَّظرةِ المُجمَعِ على تَحريمِها، ووَجهُ شَبَهِه بها أنَّه جعَل لِلزَّمانِ مِقدارًا مِنَ الثَّمَنِ بَدَلًا منه في المَوضِعَيْنِ جَميعًا، وذلك
(١) «الكافي» (٢/ ٢٠٦)، و «الفروع» (٤/ ٢٠٣)، و «المبدع» (٤/ ٢٧٨، ٢٩٠)، و «الإنصاف» (٥/ ٢٤٢)، و «كشاف القناع» (٣/ ٤٥٥، ٤٦٢)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٤٠٨، ٤١٥)، و «كشف المخدرات» (١/ ٤٢٧)، و «المطلع» (١/ ٢٥٠)، و «مطالب أولى النهى» (٣/ ٣٣٥، ٣٣٩)، و «الروض المربع» (٢/ ٣٧، ٤١)، و «منار السبيل» (٢/ ١٢١، ١٢٥)