(٢) خالَفَ في ذلكَ ابنُ حَزمٍ ﵀، فقالَ في «المُحلَّى» (١٠/ ١٩٦): ولا تَجوزُ الوَكالةُ في الطلاقِ: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا﴾ [الأنعام: ١٦٤]، فلا يَجوزُ عَملُ أحدٍ عن أحدٍ إلا حَيثُ أجازَه القُرآنُ أو السُّنةُ الثابتةُ عن رسولِ اللهِ ﷺ، ولا يَجوزُ كَلامُ أحدٍ عن كَلامِ غيرِه مِنْ حَيثُ أجازَه القُرآنُ أو سُنةٌ عن رسولِ اللهِ ﷺ، ولم يأتِ في طلاقِ أحدٍ عن أحدٍ بتَوكيلِه إياهُ قُرآنٌ ولا سُنةٌ، فهو باطِلٌ. والمُخالِفونَ لنا أصحابُ قياسٍ بزَعمِهم، وبالضرورةِ يَدرِي كلُّ أحدٍ أنَّ الطلاقَ كَلامٌ والظِّهارَ كَلامٌ واللِّعانَ كلامٌ والإيلاءَ كلامٌ، ولا يَختلفونَ في أنه لا يَجوزُ أنْ يُظاهِرَ أحدٌ عن أحدٍ، ولا أنْ يُلاعِنَ أحدٌ عن أحدٍ، ولا أنْ يُؤلِي أحدٌ عن أحدٍ، لا بوَكالةٍ ولا بغيرِها، فهلَّا قاسُوا الطلاقَ على ذلكَ، ولكنْ لا النُّصوصَ يَتبعونَ ولا القِياسَ يُحسِنونَ. وكلُّ مكانٍ ذكَرَ اللهُ تعالى فيهِ الطلاقَ فإنه خاطَبَ بهِ الأزواجَ لا غيرَهم، فلا يَجوزُ أنْ يَنوبَ غيرُهم عنهُم لا بوَكالةٍ ولا بغَيرِها؛ لأنه كانَ تَعدِّيًا لحُدودِ اللهِ ﷿، وقد قالَ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩)﴾ [البقرة: ٢٢٩] وقالَ تَعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦]، فلا خِيارَ لأحدٍ في خِلافِ ما جاءَ بهِ النَّصُّ، وما نَعلمُ إجازةَ التوكيلِ في الطلاقِ عن أحدٍ مِنَ المُتقدِّمينَ إلا عن إبراهيمَ والحسَنِ. اه.