للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سِرايةُ القِصاصِ:

إذا قطَعَ رَجلٌ يَدَ رَجلٍ أو رِجلَه فاقتَصَّ المَجنيُّ عليهِ مِنْ الجاني فاندَملَتْ يَدُ أو رِجلُ المَجنيِّ عليهِ وماتَ الجاني فإن دَمَه هدَرٌ عندَ جَماهيرِ أهلِ العِلمِ المالِكيةِ والشافِعيةِ والحَنابلةِ وأبي يُوسفَ ومُحمدٍ مِنْ الحَنفيةِ؛ لقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)[الشورى: ٤١]، ورُويَ عن عُمرَ وعليٍّ أنهُما قالَا: «مَنْ ماتَ مِنْ حَدٍّ أو قِصاصٍ فلا دِيةَ له، الحَقُّ قتَلَه» وليسَ لهُمَا مُخالفٌ فصارَ إجماعًا، ولأنه قَطعٌ مُستحَقٌّ مُقدَّرٌ، فلا تُضمَنُ سِرايتُه كقَطعِ السارقِ.

إذا ثبَتَ هذا فلا فرْقَ بينَ سِرايتِه إلى النَّفسِ بأنْ يَموتَ منها أو إلى ما دُونَها مثلَ أنْ يقطَعَ أصبعًا فتَسريَ إلى كفِّه.

وذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنَّ سِرايةَ القِصاصِ مَضمونةٌ على المُقتصِّ كما أنَّ سِرايةَ الجِنايةِ مَضمونةٌ على الجاني، فإذا ماتَ الجاني مع سِرايةِ القِصاصِ ضَمِنَ المُقتصُّ جَميعَ دَيةِ نفسِه على عاقِلتِه؛ استِدلالًا بأنَّ ما حدَثَ عن المُباشرةِ كانَ مَضمونًا على المُباشرِ كالجاني، ولأنَّ القِصاصَ مُباحٌ وليسَ بلازمٍ؛ لتَخييرِ وليِّه بينَ فِعلِه وتَركِه، كضَربِ الرَّجلِ لزَوجتِه والأبِ لوَلدِه، ثمَّ ثبَتَ أنَّ ما حدَثَ مِنْ التلَفِ عن ضَربِ الزَّوجِ والأبِ مَضمونٌ عليهِما، كذلكَ ما حدَثَ عن القِصاصِ يَجبُ أنْ يَكونَ مَضمونًا على المُتقصِّ (١).


(١) «الاستذكار» (٨/ ١٨٦، ١٨٧)، و «الحاوي الكبير» (١٢/ ١٢٦)، و «البيان» (١١/ ٤٢٦، ٤٢٧)، و «المغني» (٨/ ٢٦٨)، ونقَلَ قولَ أبي حَنيفةَ، ذكَرَه ابنُ عبدِ البَرِّ والماوَرديُّ وابنُ قُدامةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>