إذا تلِف بَعضُ المَبيعِ قبلَ القَبضِ بآفةٍ سَماويَّةٍ؛ فالمُشتَرِي بالخِيارِ بينَ فَسخِ العَقدِ والرُّجوعِ بالثَّمنِ، وبينَ قَبولِه ناقِصًا ولا شَيءَ له؛ لِقُدرَتِه على الفَسخِ، هذا مَذهبُ الشافِعيَّةِ، وهو مَذهبُ الحَنابِلةِ إذا كانَ المَبيعُ مَكيلًا أو نَحوَه، أمَّا غيرُ المَكيلِ ونَحوُه فتَلَفُ بَعضِه وتَعَيُّبُه يَكونُ على حِسابِ المُشتَرِي، ولا فَسخَ (١).
وفرَّق الحَنفيَّةُ بينَ التَّلَفِ الذي يَنشَأُ عنه نُقصانُ قَدْرٍ، والتَّلَفِ الذي يَنشَأُ عنه نُقصانُ وَصفٍ، ونُقصانُ الوَصفِ هو كلُّ ما يَدخُلُ في البَيعِ مِنْ غيرِ تَسميةٍ، كالشَّجَرِ والبِناءِ في الأرضِ وأطرافِ الحَيَوانِ والجَودةِ في المَكيلِ والمَوزونِ؛ فلا يَنفَسِخُ البَيعُ أصْلًا ولا يَسقُطُ عن المُشتَرِي شَيءٌ مِنْ الثَّمنِ؛ لأنَّ الأوصافَ لا حِصَّةَ لَها مِنْ الثَّمنِ، إلَّا إذا ورَد عليها القَبضُ أو الجِنايةُ؛ لأنَّها تَصيرُ مَقصودةً بالقَبضِ والجِنايةِ، فالمُشتَرِي بالخِيارِ، إنْ شاءَ أخَذه بجَميعِ الثَّمنِ، وإنْ شاءَ ترَك؛ لِتَعَيُّبِ المَبيعِ قبلَ القَبضِ.
وأمَّا إذا كانَ التَّلَفُ قد نَشَأ عنه نُقصانُ قَدْرٍ -بأنْ كانَ مَكيلًا أو مَوزونًا أو مَعدودًا- فالعَقدُ يَنفَسِخُ بقَدرِ الهالِكِ، وتَسقُطُ حِصَّتُه مِنْ الثَّمنِ؛ لأنَّ كُلَّ قَدْرٍ مِنْ المُقَدَّراتِ مَعقودٌ عليه؛ فيُقابِلُه شَيءٌ مِنْ الثَّمنِ، وهَلاكُ كلِّ المَعقودِ عليه يُوجِبُ انفِساخَ البَيعِ في الكُلِّ وسُقوطَ الثَّمنِ؛ فهَلاكُ
(١) «مغني المحتاج» (٢/ ٦٨)، و «حواشي التحفة» (٤/ ٤٠٠)، و «كشاف القناع» (٣/ ٢٨٢، ٢٤٣)، و «المغني» (٦/ ١٨١، ١٨٢) وما بعدها.