اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ أكلِ كلِّ ذِي نابٍ مِنْ السِّباعِ، هل يَحلُّ أكلُه أم لا؟
وذهَبَ المالِكيةُ في المَشهورِ إلى أنهُ يُكرهُ أكلُ سِباعِ الوَحشِ مِنْ غيرِ تَحريمٍ، كالسَّبعِ والثَّعلبِ والذِّئبِ والضَّبعِ والهِرِّ الوَحشيِّ ولا الأنسِيِّ ولا شَيئًا مِنْ السِّباعِ وفِيلٍ.
والدَّليلُ على أنَّ السِّباعَ ليسَتْ بمُحرَّمةٍ كالخِنزيرِ اختِلافُ الصَّحابةِ فيها، وقد كانَ ابنُ عبَّاسٍ وعائِشةُ إذا سُئِلا عن أكلِها احتَجَّا بقَولِه تعالَى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] الآيَة، ولا يَجوزُ أنْ يَذهبَ التَّحريمُ على مِثلِ ابنِ عبَّاسٍ وعائِشةَ مع مَكانِهما مِنْ رَسولِ اللهِ ﷺ ويُدرِكَه غيرَهُما، ولا يَجوزُ أنْ يُنسخَ القُرآنُ بالسُّنةِ إلا بتاريخٍ مُتفَقٍ عليهِ، فوجَبَ مع هذا الخِلافِ ألا نُحرِّمَها كالمَيتةِ، ونَكرهُها؛ لأنه لو ثبَتَ تَحريمُها لَوجَبَ نَقلُه مِنْ حَيثُ يُقطعُ العُذرُ، وقد رُويَ عن الرَّسولِ أنه أجازَ أكْلَ الضَّبعِ وهو ذُو نابٍ، فبانَ بهذا أنه ﷺ أرادَ بتَحريمِ كلِّ ذِي نابٍ مِنْ السِّباعِ الكَراهيةَ، فبانَ أنَّ النهيَ الوارِدَ في الأحاديثِ عن أكلِ كلِّ ذي نابٍ مِنْ السِّباعِ نَهيُ كَراهةٍ وليسَ تَحريمٌ.
ولأنَّ كلَّ حَيوانٍ يَطهرُ جِلدُه بذَبحِه فلا يَحرمُ أكلُه (١).
(١) «المدونة الكبرى» (٢/ ٤٤٣)، و «شرح صحيح البخاري» (٥/ ٤٣٧، ٣٤٨)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٣٧٨، ٣٧٩)، و «أحكام القرآن» (٣/ ١٢٣، ١٢٤)، و «الإكليل» (٢/ ٢٤٣، ٢٤٤)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٣١) «التاج والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٢/ ٣٨٢)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٣٢٩، ٣٣٠).