المُودِعُ إذا أودَعَ وَديعةً عندَ إِنسانٍ ثُم أرادَ السَّفرَ بها فهذا لا يَخلو حالُه مِنْ أَربعةِ أَحوالٍ:
الحالَةُ الأُولى: أنْ يَأذنَ له المُودِعُ في السَّفرِ بالوَديعةِ:
لا خِلافَ بينَ الفُقهاءِ في أنَّ المُودِعَ إذا أذِنَ للمُودَعِ بالسَّفرِ بالوَديعةِ أنَّه يَجوزُ له السَّفرُ بها، وإذا تلِفَت بسَببِ السَّفرِ فلا ضَمانَ عليه.
لا خِلافَ بينَ الفُقهاءِ في أنَّ المُودِعَ إذا نَهى المُودَعَ أنْ يُسافرَ بالوَديعةِ فسافَرَ بها مِنْ غيرِ عُذرٍ ضمِنَها؛ لأنَّه مُخالفٌ لصاحِبِها؛ لأنَّ التَّقييدَ مُفيدٌ؛ لأنَّ الحِفظَ في المِصرِ أَبلغُ، إلا أنْ يَضطرَّ إلى السَّفرِ بها كجَلاءِ أَهلِ البَلدِ أو هُجومِ عَدوٍ أو حَرقٍ أو غَرقٍ، أو أنْ يَقصدَ السُّلطانُ أَخذَها، فلا ضَمانَ عليه إذا سافَرَ بها ولمْ يَجدْ مَنْ يَأمنُه عليها مِنْ ذلك عندَه وتلِفَت؛ لأنَّه مَوضِعُ حاجَةٍ، ولأنَّه لا يَتمكَّنُ مِنْ شَيءٍ غيرِ ذلك.
فإنْ ترَكَها إِذنْ وتلِفَت في هذه الحالَةِ ولمْ يُسافِرْ بها فالأَصحُّ عندَ الشافِعيةِ والحَنابِلةِ أنَّه يَضمنُ حيثُ ترَكَ الأَصلحَ؛ لأنَّه يُعتبَرُ مُضيِّعًا لها.
قالَ الحَنابِلةُ: فإنْ هجَمَ قُطّاعُ الطَّريقِ عليه فأَلقى المَتاعَ المُودَعَ إِخفاءً له وضاعَ فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّ هذا عادَةُ الناسِ في حِفظِ أَموالِهم (١).
(١) «كشاف القناع» (٤/ ٢١٢، ٢١٣)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٣٢)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٥٨)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ١١١، ١١٣)، رقم (٩٦٩، ٩٧٠)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٣٤٥)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ١٠٩)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ١٢٢، ١٢٣)، و «البيان» (٦/ ٤٨٣)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٣٧، ١٣٨)، و «المغني» (٦/ ٣٠٢)، و «الكافي» (٢/ ٣٧٧)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ١٥٧).