للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقديرُ نَفقةِ الزَّوجةِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في مِقدارِ نَفقةِ الزَّوجةِ، هل هيَ مُعتبَرةٌ بحالِ الكفايةِ وتَختلفُ باختِلافِ مَنْ تَجبُ له النَّفقةُ؟ أم هي مُقدَّرةٌ بمِقدارٍ لا يَختلفُ في القلَّةِ والكَثرةِ؟ أم هي مُعتبرةٌ بعادةِ أمثالِ الزَّوجةِ وحالِ البلدِ؟ أم مُعتبَرةٌ بما يَفرضُه القاضِي؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في قولٍ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ النَّفقةَ غيرُ مُقدَّرةٍ في الشرعِ، وإنما مُقدَّرةٌ بكِفايتِها بلا تَقتيرٍ ولا إسرافٍ، واستَدلُّوا على ذلكَ بقَولِه تعالَى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] مُطلقًا عن التَّقديرِ، فمَن قدَّرَ فقدْ خالَفَ النصَّ، ولأنه أوجَبَها باسمِ الرِّزقِ، ورِزقُ الإنسانِ كِفايتُه في العُرفِ والعادةِ، كرِزقِ القاضي والمُضارِبِ.

وبما رَوتْ عائِشةُ أنَّ هِندَ بنتَ عُتبةَ قالَتْ: «يا رَسولَ اللهِ إنَّ أبا سُفيانَ رَجلٌ شَحيحٌ وليسَ يُعطينِي ما يَكفيني ووَلَدي إلا ما أخَذتُ منهُ وهو لا يَعلمُ، فقالَ: خُذِي ما يَكفيكِ ووَلدَكِ بالمَعروفِ» (١)، نَصَّ عليهِ أفضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ على الكِفايةِ؛ لأنه أمَرَها بأخذِ ما يَكفيها مِنْ غيرِ تَقديرٍ، ورَدَّ الاجتهادَ في ذلكَ إليها، فدَلَّ أنَّ نَفقةَ الزَّوجةِ مُقدَّرةٌ بالكِفايةِ، ولأنها وجَبَتْ


(١) أخرجه البخاري (٥٠٤٩)، ومسلم (١٧١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>