مِنْ الفَسادِ ما لا يَخفَى، فاقتَضتِ الحِكمةُ شرْعَ العُقوباتِ الزاجِرةِ عن الابتِداءِ في القَتلِ والقِصاصِ المانعِ مِنْ استِيفاءِ الزائِدِ على المِثلِ، فورَدَ الشرعُ بذلكَ لهذهِ الحِكمةِ حَسمًا عن مادَّةِ هذا البابِ، فقالَ تعالَى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)﴾ [البقرة: ١٧٩].
العَفو عن القِصاصِ:
أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنه يَجوزُ لوَليِّ القِصاصِ أنْ يَعفوَ عن القِصاصِ، وأنَّ عفْوَه أفضَلُ مِنْ القِصاصِ، واستَدلُّوا على ذلكَ بالكِتابِ والسُّنةِ والإجماعِ.
أمَّا الكِتابُ: فقَولُ اللهِ تعالَى في سِياقِ قَولِه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ١٧٨].
وقالَ تعالَى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥] إلى قَولِه: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥]، قيلَ في تَفسيرِه: فهو كفَّارةٌ للجاني يَعفُو صاحِبُ الحقِّ عنه.
وقيلَ: فهو كَفارةٌ للعافي بصَدقتِه.
وأمَّا السُّنةُ: فإنَّ أنسَ بنَ مالكٍ قالَ: «ما رَأيتُ النبيَّ ﷺ رُفِعَ إليه شَيءٌ فيه قِصاصٌ إلا أمَرَ فيه بالعَفوِ» (١).
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤٤٩٧)، والنسائي (٤٧٨٤)، وابن ماجه (٢٦٩٢)، وأحمد (١٣٢٤٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute