للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعتِبارُ بمُجردِ النِّيةِ، ومُجردُ النِّيةِ لا أثرَ لها في إِثباتِ الحُكمِ؛ فإذا احتَملَها اللَّفظُ فعُينَت بعضُ مُحتمَلاتِه أثَّرَت حينَئذٍ، قالوا: ولهذا لو قالَ: «إنْ لبِستُ ثوبًا أو أكَلتُ طَعامًا أو شرِبتُ شَرابًا أو كلَّمتُ امرَأةً فامرَأتِي طالِقٌ» ونَوى ثوبًا أو طَعامًا أو شَرابًا أو امرَأةً مُعينًا دُينَ فيما بينَه وبينَ اللهِ، وقُبلَت نِيتُه بغيرِ خِلافٍ، ولو حُذفَ المَفعولُ واقتَصرَ على الفِعلِ؛ فكذلك عندَ أَبي يُوسفَ في رِوايةٍ عنه والخَصافِ، وهو قولُ الشافِعيِّ وأَحمدَ ومالكٍ.

والمَقصودُ أنَّ النِّيةَ تُؤثرُ في اليَمينِ تَخصيصًا وتَعميمًا، وإِطلاقًا وتَقييدًا، والسَّببُ يَقومُ مَقامَها عندَ عَدمِها، ويَدلُّ عليها، فيُؤثرُ ما يُؤثرُه، وهذا هو الذي يَتعَينُ الإِفتاءُ به، ولا يَحملُ الناسَ على ما يَقطعُ أنَّهم لَم يُريدوه بأَيمانِهم، فكيفَ إذا علِمَ قَطعًا أنَّهم أَرادوا خِلافَه؟ واللهُ أَعلمُ.

[التعليلُ كالشَّرطِ]:

والتَّعليلُ يَجرِي مَجرَى الشَّرطِ، فإذا قالَ: «أنتِ طالِقٌ لأجلِ خُروجِك مِنْ الدارِ» فبانَ أنَّها لَم تَخرجْ لَم تَطلُقْ قَطعًا، صرَّحَ به صاحِبُ الإِرشادِ فقالَ: وإنْ قالَ: «أنتِ طالقٌ إنْ دخَلتِ الدارَ» بنَصبِ الألفِ والحالفُ مِنْ أهلِ اللِّسانِ، ولَم يَتقَدمْ لها دُخولٌ قبلَ اليَمينِ بحالٍ، لَم تَطلقْ، ولَم يَذكُرْ فيه خِلافًا، وقد قالَ الأَصحابُ وغيرُهم: إنَّه إذا قالَ: «أنتِ طالِقٌ» وقالَ: «أَردتُ الشَّرطَ» دُينَ؛ فكذلك إذا قالَ: «لأجلِ كَلامِك زَيدًا، أو خُروجِك مِنْ دارِي بغيرِ إذنِي» فإنَّه يُدينُ، ثم إنْ تَبيَّنَ أنَّها لَم تَفعلْ لَم يَقعِ الطَّلاقُ، ومَن أَفتَى بغيرِ هذا فقد وهِمَ على المَذهبِ، واللهُ أَعلمُ (١).


(١) «إعلام الموقعين» (٤/ ١٠٤، ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>