إلى وَرثتِه صبَرَ حتى يَيأسَ مِنْ وُصولِه إليه، فإذا يَئسَ مِنْ ذلك تَصدَّقَ بها، على ما رَويناه عن ابنِ مَسعودٍ وابنِ عَباسٍ ومُعاويةَ بنِ أَبي سُفيانَ.
وهذا مَذهبُ الحَسنِ البَصريِّ والزُّهريِّ، وبه قالَ مالكٌ في اللُّقطةِ إذا يُئسَ مِنْ صاحبِها.
وفي هذه المَسألةِ قَولانِ آخَرانِ:
أَحدُهما: أنْ يدفعَ إلى بَيتِ المالِ، رَوينا هذا القَولَ عن عَطاءٍ.
والقَولُ الثانِي: أنْ يُمسكَها أَبدًا حتى يُعلمَ أحيٌّ هو أم مَيتٌ.
وهذا يُشبهُ مَذهبَ الشافِعيِّ في إِيقافِ المالِ في مِثلِ هذا حتى يَتبيَّنَ أمرُ صاحبِه.
قالَ أَبو بَكرٍ: وإنْ كانَ المُشتَري ليسَ بعَينِ المالِ، ولكنَّه كانَ يَشتَري السِّلعَ، ثُم يَزنُ مِنْ مالِ الوَديعةِ فالشِّراءُ ثابتٌ، والمالُ في الذِّمةِ، وهو مالكٌ للسِّلعِ بعَقدِ الشِّراءِ، وما كانَ مِنْ رِبحٍ فيها فله، وما كانَ مِنْ نُقصانٍ فعليه، وعليه مِثلُ الدَّنانيرِ التي أتلَفَ لصاحِبِها، وهذا قَولُ الشافِعيِّ -آخرُ قولَيْه- وهو قَولُ أَكثرُ أَصحابِه (١).
استِقراضُ الوَديعةِ:
نصَّ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ على أنَّ المُودَعَ إذا كانَ عندَه وَديعةٌ فلا يَجوزُ له أنْ يَستقرضَ منها، فإنْ أخَذَ منها شَيئًا فهو ضامِنٌ له، فإنْ ردَّه بعدَ ذلك وتلِفَت فهو على التَّفصيلِ المُتقدِّمِ في هذا.