للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظاهِرُ هذا أنَّ النَّجاسةَ إذا وقَعَتْ في مائعٍ غيرِ الماءِ نجَّسَتْه وإنْ كَثُرَ، وهذا ظاهِرُ المَذهبِ.

وعن أحمَدَ رِوايةٌ أخرَى أنه لا يَنجسُ إذا كَثُرَ، قالَ حَربٌ: سألْتُ أحمَدَ عن كَلبٍ ولَغَ في سَمنٍ أو زَيتٍ قالَ: «إذا كانَ في آنِيةٍ كَبيرةٍ مِثلَ حبٍّ أو نَحوِه رَجوتُ أنْ لا يَكونَ به بأسٌ، يُؤكلُ، وإذا كانَ في آنيةٍ صَغيرةٍ فلا يُعجبُني أنْ يُؤكلَ»، وسُئلَ عن كَلبٍ وقَعَ في خَلٍّ أكثَرَ مِنْ قُلَّتينِ فخرَجَ منه وهو حَيٌّ فقالَ: هذا أسهَلُ مِنْ أنه لو ماتَ.

وعنه رِوايةٌ ثالِثةٌ: ما أصلُه الماءُ كالخَلِّ التَّمرِي يَدفعُ النَّجاسةَ عن نَفسِه إذا كَثُرَ، وما ليسَ أصلُه الماءُ لا يَدفعُ عن نَفسِه، قالَ المَروذيُّ: قلتُ لأبي عبدِ اللهِ: فإنْ وقَعَتِ النَّجاسةُ في خَلٍّ أو دِبسٍ؟ فقالَ: أما الخَلُّ فأصلُه الماءُ، يَعودُ إلى أنْ يَكونَ ماءً إذا حُملَ عليهِ، وقالَ ابنُ مَسعودٍ في فَأرةٍ وقَعَتْ في سَمنٍ: «إنَّما حَرُمَ مِنْ المَيتةِ لَحمُها ودَمُها».

ولنا: ما رَوى أبو هُريرةَ عن النبي «أنه سُئلَ عن فَأرةٍ وقَعَتْ في سَمنٍ قالَ: إنْ كانَ جامِدًا فخُذُوها، وما حَولَها فأَلقُوهُ، وإنْ كانَ مائِعًا فلا تَقرَبوهُ»، ولأنَّ غيرَ الماءِ ليسَ بطَهورٍ، فلا يَدفعُ النَّجاسةَ عن نَفسِه (١).

ما يُباحُ مِنْ سَمكِ البَحرِ وما لا يُباحُ:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما يُباحُ مِنْ سَمكِ البَحرِ وما لا يُباحُ؟

فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ جَميعَ ما في البَحرِ مِنْ الحَيوانِ مُحرَّمُ الأكلِ،


(١) «المغني» (٩/ ٣٣٩، ٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>