للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: وفي أيِّ لُغةٍ لا يَصدُقُ لَفظُ الإِطعامِ إلا بالتَّمليكِ؟ ولمَّا قالَ أنَسٌ : «إنَّ النَّبيَّ أطعَمَ الصَّحابةَ في وَليمةِ زَينبَ خُبزًا ولَحمًا» كانَ قد اتَّخذَ طَعامًا ودَعاهم إليه على عادةِ الوَلائمِ، وكذلك قَولُه في وَليمةِ صَفيةَ: «أطعَمَهم حَيسًا»، وهذا أظهَرُ مِنْ أنْ نَذكُرَ شَواهِدَه، قالوا: وقد زادَ ذلك إيضاحًا وبَيانًا بقَولِه: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]، ومَعلومٌ يَقينًا أنَّ الرَّجلَ إنَّما يُطعِمُ أهلَه الخُبزَ واللَّحمَ والمَرَقَ واللَّبَنَ ونَحوَ ذلك، فإذا أطعَمَ المَساكينَ مِنْ ذلك فقد أطعَمَهم مِنْ أوسَطِ ما يُطعِمُ أهلَه بلا شَكٍّ، ولهذا اتَّفقَ الصَّحابةُ في إِطعامِ الأهلِ على أنَّه غيرُ مُقدَّرٍ كما تَقدَّمَ، واللهُ سُبحانَه جعَلَه أصلًا لطَعامِ الكَفارةِ، فدَلَّ بطَريقِ الأوْلَى على أنَّ طَعامَ الكَفارةِ غيرُ مُقدَّرٍ.

وأمَّا مَنْ قدَّرَ طَعامَ الأهلِ فإنَّما أخَذَ مِنْ تَقديرِ طَعامِ الكَفارةِ، فيُقالُ: هذا خِلافُ مُقتَضى النَّصِّ؛ فإنَّ اللهَ أطلَقَ طَعامَ الأهلِ وجعَلَه أصلًا لطَعامِ الكَفارةِ، فعُلِمَ أنَّ طَعامَ الكَفارةِ لا يُقدَّرُ كما لا يُقدَّرُ أصلُه، ولا يُعرَفُ عن صَحابيٍّ ألبَتَّةَ تَقديرُ طَعامِ الزَّوجةِ مع عُمومِ هذه الواقِعةِ في كلِّ وَقتٍ (١).

مِقدارُ الكِسوةِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في مِقدارِ الكِسوةِ التي تَجبُ عليه.

فقالَ الحَنفيةُ: الواجِبُ كِسوةُ عَشَرةِ مَساكينَ يُعطي لكُلِّ واحِدٍ ثَوبًا فما زادَ، وأدناه ما تَجوزُ فيه الصَّلاةُ، وهذا إذا كَسا رَجُلًا، أما إذا كَسا امرَأةً فلا بدَّ مِنْ أنْ يَزيدَها خِمارًا؛ لأنَّ رَأسَها عَورةٌ، ولا يَجوزُ لها الصَّلاةُ مع كَشفِه.


(١) «زاد المعاد» (٥/ ٤٩٣، ٤٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>