للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الخُصومةِ، فظاهِرُه يَصحُّ إذا لَم يَعلَمْ، والظَّاهِرُ أنَّ مُرادَه بالعِلمِ أيضًا الظَّنُّ، وإلَّا فبَعيدٌ جِدًّا القَولُ به، مَع ظَنِّ ظُلمِه.

فَإنْ قيلَ: ظَنُّ التَّحريمِ لا يَمنَعُ صِحَّةَ العَقدِ، بخِلافِ العِلمِ به، ولا يَلزَمُ مِنْ هذا أنْ يُخاصِمَ في باطِلٍ، فلا مُعارَضةَ بينَه وبينَ ما سبَق، قيلَ: ليسَ المُرادُ مِنْ التَّوكيلِ وصِحَّتِه إلَّا المُخاصَمةَ فيما وكَّله فيه ممَّا يَعلَمُه أو يَظُنُّه باطِلًا، وإلَّا كانَ يُمكِنُ تَصحيحُ العَقدِ مَع العِلمِ، ولا يُخاصَمُ في باطِلٍ، فلا مَفسَدةَ في ذلك، وقَد دَلَّ كَلامُه على أنَّه لو شَكَّ في ظُلمِه صَحَّتْ وخاصَمَ فيه، وعلى هذا عَملُ كَثيرٍ مِنْ النَّاسِ أو أكثَرِهم، يُوَكَّلونَ ويَدَّعونَ مَع الشَّكِّ في صِحَّةِ الدَّعوَى وعَدمِها؛ لأنَّه ليسَ بمُخبِرٍ عن نَفْسِه، وإنَّما يُخبِرُ عن المُوكِّلِ ويُبَلِّغُ كَلامَه لِكَونِه لا يَلحَنُ بحُجَّتِه، ولأنَّ الحاجةَ قَدْ تَكونُ ماسَّةً إلى ذلك؛ لِكَثرةِ مَشقَّتِه، وهذا بخِلافِ المُدَّعِي لِنَفْسِه، لِخِبرَتِه بأحوالِه وقَضاياه، واللَّهُ أعلَمُ (١).

التَّوكيلُ في الإقرارِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ التَّوكيلِ في الإقرارِ، هَلْ يَجوزُ أو لا؟

فَذهَب الشَّافِعيَّةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ في قَولٍ والطَّحاويُّ مِنْ الحَنفيَّةِ إلى أنَّه لا يَجوزُ التَّوكيلُ في الإقرارِ، بأنْ يَقولَ لِغيرِه: وَكَّلتُكَ لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلانٍ بكذا، فيَقولَ الوَكيلُ: أقرَرتُ عنه بكذا، أو جَعَلتُه مُقِرًّا بكذا؛ لأنَّه إخبارٌ عن حَقٍّ، فلا يَقبَلُ التَّوكيلَ، كالشَّهادةِ.


(١) «الآداب الشرعية» (١/ ٥٧، ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>