وأما استِتابتُه فتُؤخَّرُ إلى حينِ صَحوِه؛ ليَكملَ عَقلُه ويَفهمَ ما يُقالُ له، وتُزالُ شُبهتُه إنْ كانَ قد قالَ الكُفرَ مُعتقِدًا له، كما تُؤخَّرُ استِتابتُه إلى حينِ زوالِ شدَّةِ عَطشِه وجُوعِه، ولأنَّ القتلَ جُعلَ للزَّجرِ، ولا يَحصلُ الزجرُ في حالِ سُكرِه، قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وإنْ قتَلَه قاتلٌ في حالِ سُكرِه لم يَضمنْه؛ لأنَّ عِصمتَه زالَتْ برِدتِه، وإنْ ماتَ أو قُتلَ لم يَرثْه وَرثتُه، ولا يَقتلُه حتى يُتِمَّ له ثَلاثةَ أيامٍ ابتِداؤُها مِنْ حينِ ارتَدَّ، فإنِ استَمرَّ سُكرُه أكثرَ مِنْ ثَلاثٍ لم يُقبلْ حتى يَصحوَ ثم يُستتابَ عَقيبَ صَحوِه، فإنْ تابَ وإلا قُتلَ في الحالِ (١).
ثالِثًا: الرِّضا بالكُفرِ: (رِدةُ المكرَهِ):
اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّ مَنْ أكرِهَ على الكُفرِ فأتَى بلَفظِ الكُفرِ أو فِعلِ الكُفرِ لم يَصرْ كافرًا بذلكَ إذا كانَ قلبُه مُطمئنًّا بالإيمانِ؛ لقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: ١٠٦].
وعن أبي عُبيدةَ بنِ مُحمدِ بنِ عمَّارِ بنِ ياسرٍ عن أبيه قالَ: «أخَذَ المُشرِكونَ عمَّارَ بنَ ياسِرٍ فلمْ يَتركوهُ حتَّى سَبَّ النبيَّ ﷺ وذكَرَ
(١) «المغني» (٩/ ٣٢)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ١٧٨، ١٧٩) رقم (١٥٣٤)، و «الحاوي الكبير» (١٣/ ١٧٥، ١٧٦)، و «البيان» (١٢/ ٣٩)، و «روضة الطالبين» (٦/ ٤٩٦)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٨٤)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٤٢٥)، و «تحفة المحتاج» (١٠/ ٦٨٠، ٦٨١)، و «الكافي» (٤/ ١٥٥)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٩٨)، و «كشاف القناع» (٦/ ٢٢٣، ٢٢٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٢٩٤).