أحَدُها: أنَّ «تَرِبتْ» هاهُنا بمَعنى (استَغنَتْ)، وإنْ كانَ في اللُّغةِ بمعنَى افتقَرَتْ، فتَصيرُ مِنْ أسماءِ الأضدادِ؛ لأنَّ رسولَ اللهِ ﷺ لا يجوزُ أنْ يَدعوَ على مَنْ لم يُخالِفْ له أمرًا، مع أنَّ دُعاءَه مَقرونٌ بالإجابةِ.والثاني: أنَّ معناهُ (تَربَتْ يَداكَ إنْ لم تَظفرْ بذاتِ الدِّينِ)؛ لأنَّ مَنْ لم يَظفرْ بذاتِ الدِّينِ سُلبَ البَركةَ فافتقَرَتْ يَداهُ.والثالث: أنها كَلمةٌ تَخفُّ على ألسنةِ العربِ في خَواتيمِ الكلامِ، ولا يُريدونَ بها دعاءً ولا ذَمًّا، كقَولِهم: «ما أشعَرَه قاتَلَه اللهُ، وما أرماهُ شُلَّتْ يداهُ». «الحاوي الكبير» (٩/ ١٠١).وقالَ الإمامُ النَّوويُّ ﵀: الصَّحيحُ في معنى هذا الحديثِ أنَّ النبيَّ ﷺ أخبَرَ بما يَفعلُه الناسُ في العادةِ؛ فإنهُم يَقصدونَ هذهِ الخِصالَ الأربعَ وآخِرُها عندَهم ذاتُ الدِّينِ، فاظفَرْ أنتَ أيها المُسترشِدُ بذاتِ الدِّينِ، لا أنهُ أمَرَ بذلكَ، قالَ شِمْرٌ: الحسَبُ الفعلُ الجميلُ للرَّجلِ وآبائِه، وسبَقَ في كِتابِ الغُسلِ معنَى «تَربَتْ يداكَ»، وفي هذا الحديثِ الحَثُّ على مُصاحَبةِ أهلِ الدِّينِ في كلِّ شيءٍ؛ لأنَّ صاحِبَهم يَستفيدُ مِنْ أخلاقِهم وبرَكتِهم وحُسنِ طَرائقِهم، ويأمَنُ المَفسدةَ مِنْ جِهتهِم. «شرح صحيح مسلم» (١٠/ ٥١، ٥٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute