للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: عَقدُ الوَديعةِ عَقدُ أَمانةٍ:

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأَربعةِ على أنَّ عَقدَ الوَديعةِ عَقدُ أَمانةٍ، فإذا تلِفَت بغَيرِ تَفريطٍ مِنْ المُودَعِ فليسَ عليه ضَمانٌ وإنْ تلِفَت مِنْ بينِ مالِه؛ لأنَّ اللهَ تَعالى سَمَّاها أَمانةً، والضَّمانُ يُنافِي الأَمانةَ، ولِمَا رُويَ عن النَّبيِّ أنَّه قالَ: «مَنْ أُودعَ وَديعةً فلا ضَمانَ عليه» (١)، قالَ الشِّيرازيُّ: وهو إِجماعُ فُقهاءِ الأَمصارِ (٢)، ولأنَّ المُستودَعَ مُؤتمَنٌ فلا يَضمنُ ما تلِفَ مِنْ غَيرِ تَعدِّيه وتَفريطِه، ولأنَّ المُستودَعَ إنما يَحفظُها لصاحِبِها مُتبرعًا مِنْ غَيرِ نَفعٍ يَرجعُ عليه، فلو لزِمَه الضَّمانُ لامتنَعَ الناسُ مِنْ قَبولِ الوَدائعِ فتَتعطلُ مَصالحُهم وذلك مُضرٌّ، ولأنَّ تَضمينَ الوَديعةِ بغَيرِ عُدوانٍ يُخرجُها عن حُكمِ التَّعاونِ وعُقودِ الإِرفاقِ، ولأنَّ يدَه يدَ المالِكِ فالهَلاكُ في يدِه كالهلاكِ في يدِ المالِكِ، وكذلك إذا دخَلَها نَقصٌ؛ لأنَّ النُّقصانَ هَلاكُ بعضِ الوَديعةِ، وهَلاكُ الكلِّ لا يُوجبُ الضَّمانَ فهَلاكُ البَعضِ أَولى.

وقالَ ابنُ المُنذرِ : أجمَعَ أَكثرُ أَهلِ العِلمِ على أنَّ المُودَعَ إذا أحرَزَ الوَديعةَ، ثم تلِفَت مِنْ غيرِ جنايتِه، أنْ لا ضَمانَ عليه (٣).


(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه ابن ماجه (٢٤٠١).
(٢) «المهذب» (١/ ٣٥٩).
(٣) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٦/ ٣٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>