للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثَّاني يَخصُّ أحَدَهما وهو وِلايةُ النَّدبِ والاستِحبابِ، أو وِلايةُ الشَّركةِ على اختِلافِ الأصلِ: وهو لعَضلٍ مِنْ الوليِّ؛ لأنَّ الحرَّةَ البالِغةَ العاقِلةَ إذا طلَبَتِ الإنكاحَ مِنْ كُفء وجَبَ عليهِ التزويجُ منه؛ لأنه مَنهيٌّ عنِ العضلِ، والنهيُ عن الشيءِ أمرٌ بضِدِّه، فإذا امتَنعَ فقدْ أضَرَّ بها، والإمامُ نُصِّبَ لدَفعِ الضَّررِ، فتَنتقلُ الولايةُ إليهِ (١).

إذا غابَ الوليُّ هل تَنتقلُ الوِلايةُ لمَن بعدَه أم للسُّلطانِ؟

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو غابَ وليُّ المَرأةِ وعَمَى خبَرُه وضُربَتْ فيهِ الآجالُ، أو غابَ غَيبةً مُعتبَرةً -على تَفصيلٍ في كُلِّ مَذهبٍ-، هل تَنتقلُ الوِلايةُ لمَن بعدَه مِنْ الأولياءِ فيزوِّجَها؟ أم تَنتقلُ إلى السُّلطانِ؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ -على تَفصيلٍ يأتِي- والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الوِلايةَ تَنتقلُ لمَن بعدَه مِنْ الأولياءِ؛ لقولِه : «السُّلطانُ وَليُّ مَنْ لا وَليَّ له» (٢)، وهذهِ لها وليٌّ مُناسِبٌ، فيزوِّجُ بحُكمِ الحَديثِ، ولأنَّ البعيدَ يُرجَّحُ بقُربِ نَسبِه والقَريبَ بقُربِ مَحلِّه، فتَساوَيَا.

قالَ الحَنفيةُ خِلافًا لزُفرَ: إذا غابَ الوليُّ الأقرَبُ كالأبِ غَيبةً مُنقطِعةً جازَ لمَن هو أبعَدُ منه كالجَدِّ أنْ يزوِّجَ؛ لأنَّ هذهِ وِلايةٌ نظَريةٌ، وليسَ مِنْ


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٥٢).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٠٨٣)، والترمذي (١١٠٢)، وأحمد (٢٥٣٦٥)، وابن حبان في «صحيحه» (٤٠٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>