ورَوى عبدُ الرزَّاقِ عن مَعمرٍ عن الأعمَشِ عن زَيدِ بنِ وَهبٍ «أنَّ عُمرَ ابنَ الخطَّابِ رُفعَ إليه رَجلٌ قتَلَ رَجلًا، فأرادَ أولياءُ المَقتولِ قتْلَه، فقالَتْ أختُ المَقتولِ وهي امرَأةُ القاتلِ: قد عَفوتُ عن حِصَّتي مِنْ زَوجِي، فقالَ عُمرُ: عُتقَ الرَّجلُ مِنْ القتلِ»(١).
إذا قتَلَه الشَّريكُ الذي لم يَعْفُ، هل يُقتَصُّ منهُ أم لا؟
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: فإنْ قتَلَه الشريكُ الذي لم يَعْفُ عالِمًا بعَفوِ شَريكِه وسُقوطِ القِصاصِ به فعَليهِ القِصاصُ، سَواءٌ حكَمَ به الحاكِمُ أو لم يَحكمْ، وبهذا قالَ أبو حَنيفةَ وأبو ثَورٍ، وهو الظاهِرُ مِنْ مَذهبِ الشافِعيِّ، وقيلَ: له قَولٌ آخَرُ: لا يَجبُ القِصاصُ؛ لأنَّ له فيه شُبهةً؛ لوُقوعِ الخِلافِ.
ولنا: إنه قتَلَ مَعصومًا مُكافِئًا له عَمدًا يَعلمُ أنه لا حَقَّ له فيهِ، فوجَبَ عليهِ القِصاصُ كما لو حكَمَ بالعَفوِ حاكمٌ، والاختِلافُ لا يُسقطُ القِصاصَ؛ فإنه لو قتَلَ مُسلمًا بكافرٍ قَتلناهُ به معَ الاختلافِ في قَتلِه.
وأما إنْ قتَلَه قبلَ العِلمِ بالعَفوِ فلا قِصاصَ عليهِ، وبه قالَ أبو حَنيفةَ، وقالَ الشافِعي في أحَدِ قَوليهِ: عليهِ القِصاصُ؛ لأنه قَتلُ عَمدٍ عُدوانٍ لمَن لا حَقَّ له في قَتلِه.
ولنا: إنه قتَلَه مُعتقِدًا ثُبوتَ حقِّه فيه، مع أنَّ الأصلَ بَقاؤُه، فلَم يَلزمْه قِصاصٌ، كالوَكيلِ إذا قتَلَ بعدَ عَفوِ المُوكِّلِ قبلَ عِلمِه بعَفوِه، ولا فرْقَ بينَ