للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّرخُّصُ، فقالَ الأثرَمُ: سَمِعتُ أبا عبدِ اللهِ يُسألُ عن الملَّاحِ: أيَقصُرُ ويُفطِرُ في السَّفينةِ؟ قالَ: أمَّا إذا كانَت السَّفينةُ بَيتَه، فإنَّه يُتمُّ ويَصومُ، قيلَ له: وكيفَ تَكونُ بَيتَه؟ قالَ: لا يَكونُ له بَيتٌ غيرُها، معه فيها أهلُه، وهو فيها مُقيمٌ.

قالَ ابنُ قُدامةَ : وأمَّا الجمَّالُ والمُكارِي فلهمُ التَّرخُّصُ، وإن سافَروا بأهلِيهم، قالَ أبو داودَ: سَمِعتُ أحمدَ يَقولُ: المُكارِي الذي هو دَهرَه في السَّفرِ: لا بدَّ مِنْ أن يَقدَمَ فيُقيمَ اليومَ، قيلَ: فيُقيمَ اليومَ واليومَينِ والثَّلاثةَ في تَهيُّئِه للسَّفرِ، قالَ: هذا يَقصُرُ، وذكَرَ القاضِي وأبو الخَطابِ أنَّه ليسَ له القَصرُ كالملَّاحِ، وهذا غيرُ صَحيحٍ؛ لأنَّه مُسافِرٌ مُشفَقٌ عليه، فكانَ له القَصرُ كغيرِه، ولا يَصحُّ قياسُه على الملَّاحِ؛ فإنَّ الملَّاحَ في مَنزلِه سَفرًا أو حَضرًا، ومعه مَصالحُه وتَنُّورُه وأهلُه، وهذا لا يُوجَدُ في غيرِه، وإن سافَرَ هذا بأهلِه كانَ أشَقَّ عليه، وأبلَغَ في استِحقاقِ التَّرخُّصِ، وقد ذكَرْنا نصَّ أحمدَ في الفَرقِ بينَهما، والنُّصوصُ مُتناوِلةٌ لِهذا بعُمومِها، وليسَ هو في مَعنى المَخصوصِ، فوجَبَ القولُ بثُبوتِ حُكمِ النَّصِّ فيه، واللهُ أعلَمُ (١).

ما يَصيرُ به المُسافِرُ مُقيمًا؛ أو زَوالُ حالَةِ السَّفرِ:

المُسافِرُ إذا صحَّ سَفرُه يَظلُّ على حُكمِ السَّفرِ، ولا يَتغيَّرُ هذا الحكمُ، إلا أن يَنويَ الإِقامةَ، أو يَدخُلَ وطَنَه، وحينَئذٍ تَزولُ حالةُ السَّفرِ، ويُصبِحُ مُقيمًا، تَنطبِقُ عليه أَحكامُ المُقيمِ.


(١) «المغني» (٢/ ٤٨٨)، و «ابن عابدين» (٢/ ١٢٦)، و «بُلغة السَّالك» (١/ ٣١٤)، و «الإفصاح» (١/ ٢٢١)، و «المبدع» (٢/ ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>