للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَشايِخُنا -يَعني مَشايِخَ ما وَراءَ النَّهرِ مِنْ بُخارَى وسَمَرقَندَ- لَم يُفتوا بجَوازِ ذلك، أي: بَيعِها بجِنسِها مُتفاضِلًا في العِدالَيْ والغَطارِفةِ مع أنَّ الغِشَّ فيها أكثَرُ مِنْ الفِضَّةِ؛ لأنَّها أعَزُّ الأموالِ في دِيارِنا، فلو أُبيحَ التَّفاضُلُ فيها يَنفتِحُ بابُ الرِّبا الصَّريحِ؛ فإنَّ النَّاسَ حينَئذٍ يَعتادونَ في الأموالِ النَّفيسةِ فيَتدرَّجونَ ذلك في النُّقودِ الخالِصةِ، فمُنِعَ؛ حَسمًا لِمادَّةِ الفَسادِ. اه. وفي البَزَّازيةِ: والصَّوابُ أنَّه لا يُفتَى بالجَوازِ في الغَطارِفةِ؛ لأنَّها أعَزُّ الأموالِ، وعليه صاحِبُ الهِدايةِ والفَضليُّ (١).

بَيعُ الجَيِّدِ بالرَّديءِ:

اتَّفق الفُقهاءُ على أنَّ جَيِّدَ مالِ الرِّبا ورَديئَه سَواءٌ، فلا يَجوزُ بَيعُ أحَدِهما بالآخَرِ مُتفاضِلًا، ولا يَجوزُ بَيعُه إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ؛ لِما رَواه سَعيدُ ابنُ المُسَيِّبِ عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ وعَن أبي هُريرةَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ استَعمَلَ رَجُلًا على خَيبَرَ، فجاءَه بتَمرٍ جَنيبٍ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ : «أكُلُّ تَمرِ خَيبَرَ هَكَذا؟»، قالَ: لا واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّا لَنأخُذُ الصَّاعَ مِنْ هذا بالصَّاعَيْنِ، والصَّاعَيْنِ بالثَّلاثةِ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ : «لا تَفعَلْ، بِعِ الجَمعَ بالدَّراهِمِ ثم ابتَعْ بالدَّراهِمِ جَنيبًا»، وقالَ في الميزانِ مثلَ ذلك» (٢)؛ لأنَّ الجَودةَ في الأموالِ الرِّبَويَّةِ لا قِيمةَ لها عندَ مُقابَلَتِها بجِنسِها، فجَيِّدُها ورَديئُها سَواءٌ، فلا يَصحُّ الِاعتياضُ عنها؛ لِسُقوطِ قِيمَتِها شَرعًا، والسَّاقِطُ شَرعًا والعَدَمُ الأصليُّ سَواءٌ.


(١) «حاشية ابن عابدين» (٥/ ٢٦٦).
(٢) رواه البخاري (٢٢٠٢)، ومسلم (١٥٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>