وقالَ الإمامُ النَّوويُّ ﵀: والحِكمةُ في وُجوبِ الإحدادِ في عدَّةِ الوَفاةِ دونَ الطَّلاقِ؛ لأنَّ الزِّينةَ والطِّيبَ يَدعوانِ إلى النكاحِ ويُوقِعانِ فيه، فنُهيَتْ عنه ليكونَ الامتناعُ مِنْ ذلكَ زاجِرًا عن النكاحِ؛ لكَونِ الزَّوجِ مَيتًا لا يَمنعُ مُعتدَّتَه مِنْ النكاحِ ولا يُراعيهِ ناكحُها ولا يَخافُ منه، بخِلافِ المُطلِّقِ الحيِّ؛ فإنه يُستغنَى بوُجودِه عن زاجرٍ آخَرَ، ولهذهِ العلَّةُ وجبَتِ العدَّةُ على كلِّ مُتوفَّى عنها وإنْ لم تكُنْ مَدخولًا بها، بخِلافِ الطلاقِ، فاستُظهِرَ للمَيتِ بوُجوبِ العدَّةِ وجُعلَتْ أربَعةَ أشهُرٍ وعَشرًا لأنَّ الأربَعةَ فيها يُنفخُ الرُّوحُ في الولدِ إنْ كانَ والعَشرُ احتياطًا، وفي هذهِ المدَّةِ يَتحركُ الولدُ في البَطنِ.
قالُوا: ولم يُوكَلْ ذلكَ إلى أمانةِ النِّساءِ ويُجعلْ بالأقراءِ كالطلاقِ لِمَا ذكَرْناهُ مِنْ الاحتياطِ للمَيتِ (١).
رابعًا: الإحدادُ على غَيرِ الزَّوجِ:
نَصَّ عامَّةُ الفُقهاءِ مِنْ المَذاهبِ الأربَعةِ وغيرهِم على أنه يُباحُ الإحدادُ على غيرِ الزَّوجِ مِنْ الأقاربِ كالأبِ والأمِّ والإخوةِ والأبناءِ ثَلاثةَ أيامٍ وأنه لا يَجبُ؛ لِما رواهُ الشَّيخانِ عن حُميدِ بنِ نافعٍ عن زَينبَ بنتِ أبي سَلمةَ أخبَرَتْه قالَتْ: دخَلْتُ على أمِّ حَبيبةَ زَوجِ النبيِّ ﷺ فقالَتْ: سَمعتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يَقولُ: «لا يَحلُّ لامرَأةٍ تُؤمنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ تُحِدُّ على مَيِّتٍ فوقَ ثَلاثٍ، إلا على زَوجٍ أربَعةَ أشهُرٍ وعَشرًا» ثمَّ
(١) «شرح صحيح مسلم» (١٠/ ١١٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute