للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ عبدُ اللهِ بنُ أَحمدَ: ما رَأيتُ أبي حدَّثَ من غيرِ كِتابٍ، إلا بأقَلَّ من مِئةِ حَديثٍ، وسمِعتُ أبي يَقولُ: قالَ الشافِعيُّ: يا أَبا عبدِ اللهِ، إذا صَحَّ عندَكم الحَديثُ، فأَخبِرونِي حتى نَرجعَ إليه، أنتُم أعلَمُ بالأَخبارِ الصِّحاحِ مِنَّا، فإِذا كان خَبَرٌ صَحيحٌ، فأعلِمْني حتى أذهَبَ إِليه، كُوفيًّا كانَ، أو بَصريًّا، أو شامِيًّا.

قالَ الذَّهبيُّ: لم يَحتَجْ إلى أنْ يَقولَ: حِجازيًّا، فإنَّه كانَ بَصيرًا بحَديثِ الحِجازِ، ولا قالَ: مِصريًّا، فإنَّ غيرَهما كانَ أقعَدَ بحَديثِ مِصرَ منهما (١).

٨ - مِحنَتُه :

مَضَت سُنةُ اللهِ ﷿ في عِبادِه أنَّه يَمتحِنُهم حتى يَظهرَ بالامتِحانِ صِدقُ الصادِقينَ، وكَذبُ الكَذابينَ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)[العنكبوت: ٢، ٣] وسُئلَ النَّبيُّ عن أشَدِّ الناسِ بَلاءً فقالَ: «الأَنبياءُ ثم الأمثَلُ فالأمثَلُ» (٢).

وقد سُئلَ الإمامُ الشافِعيُّ: هل الأفضَلُ أنْ يُمكَّنَ العَبدُ أو يُبتَلى؟ فقالَ: لا يُمكَّنُ حتى يُبتَلى، وما تعرَّضَ له إِمامُنا، وإِمامُ الدُّنيا أَحمدُ بنُ حَنبلٍ يَدلُّ على مَكانتِه في الإِيمانِ، وعُلوِّ شأنِه عندَ المَلكِ الدَّيانِ، قالَ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)[السجدة: ٢٤].


(١) «سير أعلام النبلاء» (١١/ ٢١٣، ٢١٤).
(٢) حَسَنٌ صَحِيحٌ: رواه الترمذي (٢٣٩٨)، وابن ماجه (٤٠٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>