للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرطُ الرابِعُ: أنْ يَكونَ المُوصَى به مَوجودًا فلا تَصحُّ الوَصيةُ بالمَعدومِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في المُوصَى به هل يُشتَرطُ أنْ يَكونَ مَوجودًا وَقتَ الوَصيةِ أو الوَصيةُ تَصحُّ بالمَعدومِ كالوَصيةِ بثَمرةٍ ستَحدثُ أو بما تَحمِلُه هذه الناقةُ أو بأيِّ شَيءٍ غيرِ مَوجودٍ وسيُوجدُ؟

ذهَبَ الشافِعيةُ في مُقابلِ الأصَحِّ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّ الوَصيةَ بالمَعدومِ باطِلةٌ؛ بِناءً على أنَّ الاعتِبارَ بحالِ الوَصيةِ، ولا مِلكَ يَومئِذٍ بل لا وُجودَ، والتَّصرفُ يَستَدعي تَصرفًا فيه ولم يُوجَدْ.

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في الأصَحِّ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يُشتَرطُ في المُوصَى به أنْ يَكونَ مَوجودًا، فتَصحُّ الوَصيةُ بالمَعدومِ بأنْ يُوصيَ بما يُثمرُ نَخلُه أو ما يُخرجُ من بُستانِه، أو يُوصيَ بثُلثِ مالِه ولا مالَ له؛ فإنَّ الوَصيةَ جائِزةٌ؛ لأنَّ الوَصيةَ إنَّما جُوِّزت رِفقًا بالناسِ وتَوسعةً، فاحتُملَ فيها وُجوهٌ من الغَررِ، وقياسًا على جَوازِ الوَصيةِ بالمَجهولِ، ولأنَّ المَعدومَ يَصحُّ تَملُّكُه بعَقدِ السَّلَمِ والمُساقاةِ والإِجارةِ، مع أنَّها عُقودُ مُعاوضةٍ فبالوَصيةِ أوْلى؛ لأنَّ بابَ الوَصيةِ أوسَعُ من غيرِه، فإنْ حصَلَ له شَيءٌ فله؛ لأنَّ الوَصيةَ أُجريَت مُجرى المِيراثِ، وهذا يُورثُ فصحَّت الوَصيةُ به، وإنْ لم يَحصُلْ شَيءٌ ممَّا وَصَّى به بطَلَت الوَصيةُ لفَواتِ مَحلِّها.

<<  <  ج: ص:  >  >>