ومَوضوعُ البَحثِ هنا في حُكمِ مَنْ حصَل على الاستِطاعةِ البَدنيَّةِ والماليَّةِ، ولكنَّه لم يَحصُل على تَصريحِ الحَجِّ؛ نَظرًا لأنَّ أعدادَ الحُجَّاجِ مَحدودةٌ بقَدرِ مُعيَّنٍ وسِنٍّ مُعيَّنٍ، أو لأنَّه لم يَكنْ ممَّن وقَعت عليه القُرعةُ لتَحصيلِ تأشيرةِ الحَجِّ، أو لم تَحصلْ له الاستطاعةُ إلا بعدَ تَوقيفِ استِخراجِ التَّصاريحِ لتَأخرِه، فهل يُعتبَرُ من كانت هذه حالُه غيرَ مُستَطيعٍ؟ فلو مات ولم يَحُجَّ بسَببِ عَدمِ حُصولِه على تَصريحٍ فهو مَعذورٌ، ولا يُحَجُّ عنه مِنْ تَركتِه؟ أو أنه مَعذورٌ في نَفسِه، ولكنْ يُحَجُّ عنه مِنْ تَركتِه؟ وحيث إن مَسألةَ التَّراخيصِ مَسألةٌ حادثةٌ في هذا العَصرِ، وليس في كَلامِ المُتقدِّمين ما يُشيرِ إليها، إلا أنَّهم أشاروا إلى ما يُشبهُها، وهي الخَصلَتين السابقَتيْن، وهُما أمْنُ الطَّريقِ وإمكانُ السَّيرِ، وهي شَبيهةٌ بهما، ولا شكَّ أن مَنْ لم يَحصلْ على تَصريحٍ لن يَخلوَ له الطَّريقُ، ولا يُمكِنُ له السَّيرُ، وسيكون مَمنوعًا من الحَجِّ، وقد اختلَف الفُقهاءُ في هاتَين الخَصلَتين كما تَقدَّم على قَولَين: القَولُ الأولُ: أنَّ إمكانَ السَّيرِ وتَخليةِ الطَّريقِ وأمنِه شَرطٌ لِأصلِ الوُجوبِ، فكما لا يَجبُ الحَجُّ على مَنْ لم يَجدْ الزادَ والراحِلةَ، فكذلك لا يَجبُ على مَنْ لم يُمكَّنْ من السَّيرِ، ومَن لم يَحصلْ على تَصريحٍ بالحَجِّ؛ فلم يَخلُ له الطَّريقُ، ولم يُمكَّنْ مِنْ الوُصولِ للبيتِ فهو غيرُ مُستطيعٍ. ولأنَّ مِنْ شُروطِ الحَجِّ الاستِطاعةَ، ولا استِطاعةَ بدونِ خُلوِّ الطريقِ والحُصولِ على التأشيرةِ والتَّصريحِ بالحَجِّ، ولأنَّ النَّبيَّ ﷺ بيَّن الاستطاعةَ بالزادِ والراحِلةِ بَيانَ كِفايةٍ؛ ليَستدلَّ بالمَنصوصِ عليه على غيرِه لاستوائِهما في المَعنى، وهو إمكانُ الوُصولِ إلى البَيتِ، وإلى هذا القَولِ ذهَب المالِكيةُ والشافِعيةُ وأبو حَنيفةَ في رِوايةِ ابنِ شُجاعٍ عنه -وهو الأصحُّ عندَ الحَنفيةِ- والأمام أحمدَ في رِوايةٍ. القَولُ الثاني: أنَّ أمنَ الطَّريقِ وتَخليتَه شَرطٌ للأداءِ، لا لأصلِ الوُجوبِ؛ لِما رُويَ أنَّ =