للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي أُمامةَ عن النبيِّ أنه قالَ: «ما فَرَى الأوداجَ فكُلوا، ما لم يَكنْ رَضَّ نَابٍ أو نحْرَ ظُفرٍ» (١). فظاهِرُ الحَديثِ الأولِ يَقتضِي قطْعَ بعضِ الأوداجِ فقطْ؛ لأنَّ إنهارِ الدمِ يَكونُ بذلكَ، وفي الثاني قَطعُ جَميعِ الأوداجِ، فالحَديثانِ -واللهُ أعلَمُ- مُتفِقانِ على قَطعِ الودَجينِ، إمَّا أحَدِهما أو البَعضِ مِنْ كَليهِما أو مِنْ واحِدٍ منهُما، ولذلكَ وَجهُ الجَمعُ بينَ الحَديثينِ أنْ يُفهَمَ مِنْ لامِ التَّعريفِ في قَولِه : «مَا فَرَى الأوداجَ» البَعضُ لا الكُلُّ؛ إذْ كانَتْ لامُ التَّعريفِ في كلامِ العَربِ قد تَدلُّ على البَعضِ.

وأمَّا مَنْ اشتَرطَ قطْعَ الحُلقومِ والمَريءِ فليسَ له حُجةٌ مِنْ السَّماعِ، وأكثَرُ مِنْ ذلكَ مَنْ اشتَرطَ المَريءَ والحُلقومَ دونَ الوَدجينِ، ولهذا ذهَبَ قَومٌ إلى أنَّ الواجِبَ هو قَطعُ ما وقَعَ الإجماعُ على جَوازِه؛ لأنَّ الذكاةَ لمَّا كانَت شَرطًا في التَّحليلِ ولم يَكنْ في ذلكَ نَصٌّ فيما يُجزِي وجَبَ أنْ يكونَ الواجِبُ في ذلكَ ما وقَعَ الإجماعُ على جَوازِه، إلا أنْ يَقومَ الدَّليلُ على جَوازِ الاستِثناءِ مِنْ ذلكَ، وهو ضَعيفٌ؛ لأنَّ ما وقَعَ الإجماعُ على إجزائِه ليسَ يَلزمُ أنْ يكونَ شَرطًا في الصِّحةِ (٢).

ذَبحُ الحَيوانِ مِنْ القَفا:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ الذبحِ مِنْ القَفَا، هل تَحرمُ ولا تَحلُّ ولا تَكونُ ذَكاةٌ بهذا؟ أم إنْ بَقِيتْ حَيةً حتَّى قطَعَ العُروقَ حلَّتْ وإلا فلا تَحلُّ؟

فذهَبَ المالِكيةُ وأحمَدُ في رِوايةٍ إلى أنه يُشترطُ أنْ يَكونَ الذبحُ مِنْ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (٧٨٥١).
(٢) «بداية المجتهد» (١/ ٣٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>