للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوَجهُ الثالِثُ: أنَّه إنْ كانَ العامِلُ مُرتزِقًا قَدرَ كِفايَتِه أُخذَت منه الهَديةُ لبَيتِ المالِ، وإنْ كانَ غيرَ مُرتزِقٍ أُقرَّت عليه؛ لرِوايةِ عبدِ اللهِ بنِ بُريدةَ عن أبيه عن النَّبيِّ قالَ: «مَنْ استَعمَلناه على عَملٍ فرَزَقناه رِزقًا فما أخَذَ بعدَ ذلك فهو غُلولٌ» (١). ولو كانَ مُرتزِقًا ولم يَكتفِ برِزقِه عما تَدعوه الحاجةُ إليه فقد رَوى الأَوزاعيُّ عن الحارِثِ بنِ يَزيدَ عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ جُبَيرٍ عن المُستورِدِ بنِ شَدادٍ قالَ: سمِعتُ النَّبيَّ يَقولُ: «مَنْ كانَ لنا عامِلًا فليَكتسِبْ زَوجةً؛ فإنْ لم يَكنْ له خادِمٌ فليَكتسِبْ خادِمًا؛ فإنْ لم يَكنْ له مَسكنٌ فليَكتسِبْ مَسكَنًا» (٢). فدَلَّ هذا الحَديثُ على أنَّ الغُلولَ المُسترجَعَ منه ما تَجاوزَ قَدرَ حاجَتِه.

فَصلٌ: مُهاداةُ قُضاةِ الأَحكامِ:

وأمَّا الصِّنفُ الثالِثُ -وهُم قُضاةُ الأَحكامِ- فالهَدايا في حَقِّهم أغلَظُ مأثَمًا وأشَدُّ تَحريمًا؛ لأنَّهم مَندوبونَ لحِفظِ الحُقوقِ على أهلِها دونَ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٩٤٥)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٢٣٦٩).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٩٤٥)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٢٣٧٠) بابُ إذنِ الإمامِ للعاملِ بالتَّزويجِ واتِّخاذِ الخادمِ والمَسكنِ مِنْ الصَّدقةِ. والحاكم في «المستدرك» (١٤٧٣) قالَ أَبو سُليمانَ الخَطابيُّ : هذا يتأوَّلُ على وَجهَينِ: أحدُهما: إنَّما أباحَ له اكتِسابَ الخادِمِ، والمَسكنِ من عِمالتِه التي هي أجرُ مِثلِه، وليسَ له أنْ يَرتفقَ بشَيءٍ سِواها، والوَجهُ الآخَرُ: أنَّ للعامِلِ السُّكنى والخِدمةَ، فإنْ لم يَكُنْ له مَسكنٌ وخادِمٌ استُؤجرَ له مَنْ يَخدُمه فيَكفيه مِهنةَ مِثلِه، ويُكتَرى له مَسكنٌ يَسكنُه مُدةَ مُقامِة في عَملِه. وكانَ شُرَيحٌ يأخُذُ على القَضاءِ أجرًا. «شرح السنة» (١٠/ ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>