للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِثلَ اشتِراطِ بعضِهم أنْ يَكونَ المُحدِّثُ فقيهًا إذا خالَفَ قياسَ الأُصولِ، ومِثلَ اشتِراطِ بَعضِهم انتِشارَ الحَديثِ وظُهورَه إذا كانَ فيما تَعمُّ به البَلوَى، إلى غيرِ ذلك، ممَّا هو مَعروفٌ في مَواضِعِه.

السَّببُ الخامِسُ:

أنْ يَكونَ الحَديثُ قد بلَغَه وثبَتَ عندَه، لكنْ نَسيَه.

وهذا يَرِدُ في الكِتابِ والسُّنةِ.

مِثلَ الحَديثِ المَشهورِ عن عُمرَ أنَّه: «سُئلَ عن الرَّجلِ يُجنِبُ في السَّفرِ فلا يَجدُ الماءَ؟ فقالَ: لا يُصلِّي حتى يَجدَ الماءَ، فقالَ له عَمارُ بنُ ياسِرٍ : يا أَميرَ المُؤمِنينَ أمَا تَذكُرُ إذْ كُنْتُ أنا وأنتَ في الإبِلِ فأجنَبْنا فأمَّا أنا فتَمرَّغتُ كما تَمرَّغُ الدَّابةُ، وأمَّا أنتَ فلم تُصلِّ، فذكَرتُ ذلك للنَّبيِّ قالَ: «إنَّما يَكفيكَ هكذا»، وضرَبَ بيَدَيه الأرضَ فمسَحَ بهما وَجهَه وكَفَّيه. فقالَ له عُمرُ: اتَّقِ اللهَ يا عَمارُ، فقالَ: إنْ شِئتَ لم أُحدِّثْ به. فقالَ: «بل نُولِّيكَ من ذلك ما تَولَّيتَ» (١).

فهذه سُنةٌ شهِدَها عُمرُ ثم نَسيَها، حتى أفتَى بخِلافِها، وذكَّرَه عَمارٌ فلم يَذكُرْ.

وهو لم يُكذِّبْ عَمارًا، بل أمَرَه أنْ يُحدِّثَ به.

وأبلَغُ من هذا: أنَّه خطَبَ الناسَ فقالَ: «لا يَزيدُ رَجلٌ على صَداقِ أَزواجِ النَّبيِّ وبَناتِه إلا رَددتُه»، فقالَت له امرَأةٌ: «يا أَميرَ المُؤمِنينَ، لِمَ


(١) رواه البخاري (٣٤٠) ومسلم (٣٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>