وقالَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ: لا يَصحُّ بَيعُ المُمَيِّزِ والسَّفيهِ ما لَم يَأذَنْ وَلِيُّهما، فإنْ أذِنَ صَحَّ؛ لقولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ [النساء: ٦]، مَعناهُ: اختَبِروهم لِتَعلَموا رُشدَهم. وإنَّما يَتحقَّقُ بتَفويضِ البَيعِ والشِّراءِ إليه، ويَحرُمُ الإذْنُ بلا مَصلَحةٍ، ويَنفُذُ تَصَرُّفهما في الشَّيءِ اليَسيرِ بلا إذْنٍ.
والرِّوايةُ الأُخرى عندَ الحَنابِلةِ: لا يَصحُّ بَيعُ الصَّبيِّ حتى يَبلُغَ؛ لأنَّه غيرُ مُكلَّفٍ، أشبَهَ غيرَ المُميِّزِ، ولأنَّه ممَّا يَخفَى، فضَبَطَه الشارِعُ بحَدٍّ وهو البُلوغُ، والسَّفيهُ مَحجورٌ عليه لِسوءِ تَصرُّفِه وتَبذيرِه، فإذا أذِنَ له وَلِيُّه فقد أذِنَ فيما لا مَصلَحةَ فيه، ولا يَصحُّ بغيرِ إذْنِه؛ لِما ذَكَرْنا، إلَّا في الشَّيءِ اليَسيرِ؛ لأنَّ الحِكمةَ في الحَجرِ عليهما خَوفُ ضَياعِ مالِهما بتَصرُّفِهما، وذلك مَفقودٌ في اليَسيرِ، يُؤيِّدُه أنَّ أبا الدَّرداءِ اشتَرَى مِنْ صَبيٍّ عُصفورًا وأطلَقَه (١).
٢ - بَيعُ المُكرَهِ:
بَيعُ المُكرَهِ والمَضغوطِ عليه له حالَتانِ:
إمَّا أنْ يَكونَ الإكراهُ بحَقٍّ أو بغيرِ حَقٍّ، فإنْ كانَ بحَقٍّ بأنْ أكرَهَه الحاكِمُ على بَيعِ مالِه لِوَفاءِ دَيْنِه، صَحَّ؛ لأنَّه حَمَلَ عليه بحَقٍّ سائِغٍ، ولا رُجوعَ فيه عندَ الفُقهاءِ؛ لأنَّه يَلزَمُه أداءُ الحَقِّ إلى رَبِّه مِنْ غيرِ المَبيعِ، فلمَّا لَم يَفعَلْ
(١) «المغني» (٤/ ١٦٨)، و «الكافي» (٢/ ١٩٥)، و «كشاف القناع» (٣/ ١٧٢، ١٧٣)، و «المبدع» (٤/ ٨)، و «الإنصاف» (٤/ ٢٦٧).