٣ - تَوكيلُ المُسلِمِ الكافِرَ في البَيعِ والشِّراءِ:
اختَلفَ الفُقهاءُ في المُسلِمِ، هَلْ يَجوزُ له أنْ يُوكِّلَ الكافِرَ في بَيعِ خَمرٍ أو خِنزيرٍ أو غيرِهِما، أو في شِرائِهما، أو لا يَجوزُ؟
فَذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الصَّاحِبانِ مِنْ الحَنفيَّةِ والمالِكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يَجوزُ لِلمُسلِمِ أنْ يُوكِّلَ كافِرًا، ذِميًّا كانَ أو غيرَه في بَيعِ خَمرٍ ولا في شِرائِها؛ لأنَّ مِنْ شَرطِ الوَكالةِ أنْ يَكونَ المُوكِّلُ ممَّن يَملِكُ التَصرُّفَ؛ لأنَّ الوَكيلَ يَستَفيدُ وِلايةَ التَصرُّفِ مِنه، ويَقدِرُ عليه مِنْ قِبَلِه، ومَن لا يَقدِرُ على شَيءٍ فكَيفَ يَقدِرُ عليه غيرُه، ويَصحُّ تَوكيلُ الكافِرِ في غيرِ الخَمرِ والخِنزيرِ عندَهم، خِلافًا لِلمالِكيةِ الذين مَنَعوا تَوكيلَه في البَيعِ والشِّراءِ مُطلَقًا.
قالَ المالِكيَّةُ: يَمتَنِعُ على المُسلِمِ أنْ يُوكِّلَ كافِرًا، ذِميًّا كانَ أو غيرَه، في بَيعٍ لِمُسلِمٍ، أو شِراءٍ له؛ لأنَّه لا يَتحَرَّى في مُعامَلاتِه الحَلالَ ولا يَعرِفُ شَرطَ المَعقودِ عليه مِنْ ثَمَنٍ ومُثمَّنٍ.
كَذلك يَمتَنِعُ على المُسلِمِ أنْ يُوكِّلَ الكافِرَ في تَقاضي دُيونِه، ولو على كافِرٍ، لِعَملِهم بالرِّبا، واستِحلالِهم له، ولو رَضِيَ مَنْ يَتقاضَى مِنه الحَقَّ؛ لِحَقِّ اللَّهِ تَعالى، ولأنَّه رُبَّما أغلَظَ على المُسلِمِ الذي يَتقاضَى مِنه الدَّينَ واستَعلَى عليه: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١)﴾ [النساء: ١٤١]، ومِن ذلك جَعْلُه مُباشِرًا وكاتِبًا لِلأُمَراءِ ونحوِهم؛ فإنَّه مِنْ الضَّلالِ المُبينِ.