وهو في غايةٍ من البُعدِ مع أنَّ قَولَه لِحاجةٍ أُخرى، يَرُدُّه صَريحُ الحَديثِ حتى يَقضيَ حاجَتَه منه.
فالصَّوابُ أنَّه قَيدٌ احتِرازيٌّ في وَقتِ الصُّبحِ مُشعِرٌ بأنَّ بالإمكانِ سُرعةَ أكلِه وشُربِه، لِتَقارُبِ وَقتِه، واستدراكِ حاجَتِه واستِشرافِ نَفسِهِ وقُوَّةِ نَهمَتِه وتَوجُّهِ شَهوَتِه بجَميعِ هِمَّتِه مما يَكادُ يَخافُ عليه، إنَّه لو مُنِع منه لَما امتنَع، فأجازَه الشارِعُ رَحمةً عليه وتَدريجًا له، بالسُّلوكِ والسَّيرِ إليه، ولَعلَّ هذا كان في أولِ الأمرِ. ويُشيرُ إليه ما وقَع من الخِلافِ في الصُّبحِ المُرادِ في الصَّومِ؛ فقد ذكَر الشَّمَنيُّ أنَّ المُعتبَرَ أوَّلُ طُلوعِ الصُّبحِ عندَ جُمهورِ العُلماءِ، وقبلَ استِنارَتِه، وهو مَرويُّ عن عُثمانَ وحُذَيفةَ وابنِ عَباسٍ، وطَلقِ بنِ عليٍّ وعَطاءِ بنِ أبي رَباحٍ والأعمَشِ، قال مَسروقٌ: لم يَكونوا يَعُدُّون الفَجرَ فَجرَكم، إنَّما كانوا يَعُدُّون الفَجرَ الذي يَملأُ البُيوتَ، قال شَمسُ الأئِمَّةِ الحَلوانيُّ: الأولُ أحوَطُ، والثاني أرفَقُ. اه.
ولَعلَّ هذا الحَديثَ مَبنيٌّ على الرِّفقِ، واللهُ تَعالى أعلَمُ، ويُؤيِّدُه لَفظُ التَّبيُّنِ في الآيةِ، قال ابنُ حَجَرٍ: وأمَّا ما نُقِلَ عن جُمهورِ الصَّحابةِ أنَّ المُرادَ بالفَجرِ في الآيةِ الإسفارُ، فهو مما كاد الإجماعُ أنْ يَنعقِدَ على خِلافِه (١).
٣ - الطَّعامُ الباقي بينَ أسنانِه إذا ابتلَعه:
قال ابنُ المُنذِرِ ﵀: أجمَع العُلماءُ على أنَّه لا شَيءَ على الصائِمِ فيما يَبلَعُه مما يَجري مع الرِّيقِ مما بينَ أسنانِه مما لا يَقدِرُ على رَدِّه، قال: