الإقراءِ، فكان الإقراءُ أفضَلَ من الاعتِكافِ إلا أنَّ مَنفعةَ ذلك تَتعدَّى.
قال الوَزيرُ ابنُ هُبَيرةَ ﵀: والذي عِندي في ذلك أنَّ مالِكًا وأحمدَ لم يَرَيا استِحبابَ ألَّا يُقرِئَ المُعتكِفُ غَيرَه القُرآنَ في حالةِ اعتِكافِه، إلا من حيث إنَّه بإقرائِه غَيرَه يَنصرِفُ هَمُّه عن تَدبُّرِ القُرآنِ إلى حِفظِه على القارِئِ، فيَكونَ قد صرَف فَهْمَه عن تَدبُّرِ أسرارِه لِنَفسِه إلى حِفظِ ظاهِرِ نُطقِه لِغَيرِه، وإلا فلا يُظَنُّ بهما ﵄ أنَّهما كانا يَريان شَيئًا من عِباداتِ المُعتكِفِ يَعدِلُ قِراءةَ القُرآنِ في تَدبُّرٍ له، وهذا كلُّه يَسيرُ إلى أنَّ الاعتِكافَ حَبسٌ لِلنَّفسِ، وجَمعٌ لِلهِمَّةِ على نُفوذِ البَصيرةِ في تَدبُّرِ القُرآنِ، ومَعاني التَّسبيحِ، والتَّحميدِ، والتَّهليلِ، وذِكرِ اللهِ ﷾، فيَكونُ كلُّ ما جُمِع من الفِكرِ يُناسِبُ هذه العِبادةَ، وكلُّ ما بُسِط من الفِكرِ ونُشِر من «الهَمِّ» يُنافيها (١).
وَقتُ دُخولِ المُعتكِفِ المَسجدَ:
ذهَب أبو حَنيفةَ ومالِكٌ والشافِعيُّ وأحمدُ في المَشهورِ عنه وأكثرُ أهلِ العِلمِ إلى أنَّ مَنْ نذَر اعتِكافَ شَهرٍ بعَينِه كرَمضانَ أو نذَر اعتِكافَ عَشرٍ كالعَشرِ الأخيرةِ من رَمضانَ أو أراد ذلك تَطوُّعًا دخَل مُعتكَفه قبلَ لَيلتِه الأُولى، أي: قبلَ غُروبِ الشَّمسِ، إذِ الشَّهرُ يَدخُلُ اللَّيلةَ، بدَليلِ تَرتُّبِ الأحكامِ المُعلَّقةِ به من حُلولِ الدَّينِ ووُقوعِ الطَّلاقِ والعِتاقِ المُعلَّقَيْن به وما لا يَتِمُّ الواجِبُ إلا به فهو واجِبٌ، فعلى هذا إذا أحَبَّ أنْ يَعتكِفَ
(١) «الإفصاح» (١/ ٤٤١، ٤٤٢)، و «شرح فتح القدير» (٢/ ٣٩٧، ٣٩٨)، و «ابن عابدين» (٢/ ٤٩٥)، و «حاشية الدسوقي» (٢/ ١٩١)، و «المدونة» (١/ ٢٠٠)، (٤/ ٢٨٦)، و «كشاف القناع» (٢/ ٣٦٣).