ثم اختَلفوا: هَلْ يَجوزُ إجارَتُها قبلَ قَبضِها أو لا؟ على ثَلاثةِ أقوالٍ:
فذهبَ الحَنفيَّةُ والشَّافعيَّةُ -في المَذهبِ- والحَنابِلةُ -في قَولٍ- إلى أنَّه لا يَجوزُ له أنْ يُؤجِّرَها قبلَ قَبضِها، سَواءٌ مِنْ المُؤجِّرِ أو مِنْ غَيرِهِ؛ لأنَّ المَنافِعَ مَملوكةٌ بعَقدِ مُعاوَضةٍ، فاعتُبِرَ في جَوازِ العَقدِ عليها القَبضُ؛ كالأعيانِ.
وَذَهَبَ الشَّافعيَّةُ في -قَولٍ- والحَنابِلةُ -في وَجْهٍ- إلى أنَّه يَجوزُ إجارَتُها قبلَ القَبضِ؛ لأنَّ المَعقودَ عليه هو المَنافِعُ، والمَنافِعُ لا تَصيرُ مَقبوضةً بقَبضِ العَينِ؛ فلَم يُؤثِّرْ فيها قَبضُ العَينِ، ولأنَّ قَبضَ العَينِ لا يَنتقِلُ به الضَّمانُ إلَيه، فلَم يَقِفْ جَوازُ التَصرُّفِ عليه.
وَقيلَ: يَجوزُ في العَقارِ عندَ أبي حَنيفَةَ، والصَّحيحُ عندَ الحَنفيَّةِ عَدَمُ الجَوازِ، كَما تَقدَّمَ.
وَذَهَبَ الشَّافعيَّةُ -في قَولٍ ثالِثٍ- والحَنابِلةُ -في وَجْهٍ- إلى أنَّه يَجوزُ إجارَتُها مِنْ المُؤجِّرِ قبلَ قَبضِها؛ لأنَّها في قَبضَتِه، ولا يَتعذَّرُ عليه، بخِلافِ الأجنَبيِّ، ولا يَجوزُ مِنْ غَيرِه؛ لأنَّها لَيسَتْ في قَبضَتِه.
المَسألةُ الرَّابِعةُ: إذا أجَّرَ المُستَأجِرُ الدَّارَ، أوِ الأرضَ مِمَّنْ آجَرَهُ:
اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّه يَجوزُ لِلمُستَأجِرِ أنْ يُؤجِّرَها لِغَيرِ المُؤجِّرِ بما لا يَزيدُ الضَّررَ في العَينِ المُستَأجَرةِ إلَّا رِوايةً لِلحَنابِلةِ بعَدَمِ الجَوازِ، كَما تَقدَّمَ.