اتفَقَ فُقهاء المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّ وقْفَ الذِّميِّ صَحيحٌ كالمُسلِمِ في الجُملةِ، وأنه لا يُشترطُ الإسلامُ لصِحَّةِ الوَقفِ، فلو أوقَفَ ذمِّيٌّ فيما يَجوزُ أنْ يُوقِفَ عليه صَحَّ الوَقفُ منه كالمُسلمِ، على تَفصيلٍ سَيأتي بَيانُه في كلِّ مَذهبٍ …
فعَلى هذا لا يَجوزُ الوَقفُ مِنْ الذِّميِّ على البِيَعِ والكَنائِسِ وبُيوتِ النارِ، وهذا مَحلُّ اتِّفاقٍ بينَ العُلماءِ؛ لأنه لا يَجوزُ وَقفُ المُسلمِ على هذه الأشياءِ كما سَيأتي مُفصَّلًا في مَسألةِ: الوَقف على جِهةِ مَعصِيةٍ كالكَنائِسِ والمَعابدِ.
قالَ الحَنفيةُ: الإسلامُ ليس بشَرطٍ في صِحةِ الوَقفِ، فلو وقَفَ الذِّميُّ على وَلدِه ونَسلِه وجعَلَ آخِرَه للمَساكينِ فإنْ عمَّمَ جازَ الصَّرفُ إلى كُلِّ فَقيرٍ مُسلمٍ أو كافرٍ، وإنْ خَصَّ في وَقفِه مَساكينَ أهلِ الذِّمةِ جازَ واتُّبعَ شَرطُه، كالمُعتَزليِّ إذا خصَّصَ أهلَ الاعتِزالِ، ويُفرَّقُ على اليَهودِ والنَّصارى والمَجوسِ منهُم، إلا إنْ خَصَّ صِنفًا منهم، فلو دفَعَ القَيِّمُ إلى غَيرِهم كانَ ضامِنًا إنْ قُلنا: إنَّ الكُفرَ كلَّه ملَّةٌ واحِدةٌ، ولو وقَفَ على وَلدِه ونَسلِه ثمَّ للفُقراءِ على أنَّ مَنْ أسلَمَ مِنْ وَلدِه فهو خارِجٌ مِنْ الصَّدقةِ لَزمَ شَرطُه أيضًا، كشَرطِ المُعتزليِّ أنَّ مَنْ صارَ سُنيًّا أُخرجَ، وليسَ هذا مِنْ قَبيلِ اشتِراطِ المَعصيةِ؛ لأنَّ التَّصدقَ على الكافرِ غيرِ الحَربيِّ قُربةٌ، وكذا إنْ قالَ:«مَنْ انتَقلَ إلى غيرِ النَّصرانيةِ خرَجَ» اعتُبِرَ، نَصَّ على ذلكَ الخصَّافُ.