اتَّفَق الفُقهاءُ على أنَّ شَهادةَ النِّساءِ تُقبلُ فيما لا يَطَّلعُ عليه الرِّجالُ، كالوِلادةِ والحَيضِ والبَكارةِ وعُيوبِ النِّساءِ وما يُخفُونَ على الرِّجالِ غالِبًا، وقد نقَلَ عَددٌ من العُلماءِ الإجماعَ على ذلك.
قالَ الإمامُ الشافِعيُّ ﵀: الوِلادةُ وعُيوبُ النِّساءِ مما لم أعلَمْ مُخالِفًا لَقيتُه في أنَّ شَهادةَ النِّساءِ فيه جائِزةٌ لا رَجلَ مَعهُنَّ (١).
قالَ الماوَرديُّ ﵀ بعدَ أنْ ذكَرَ كَلامَ الإمامِ الشافِعيِّ ﵀: أمَّا الوِلادةُ فلا اختِلافَ بينَ الفُقهاءِ في أنَّه يَجوزُ أنْ تُقبلَ فيها شَهادةُ النِّساءِ مُنفَرِداتٍ، وإنَّما اختَلَفوا في عِلةِ الجَوازِ، فعندَ الشافِعيِّ أنَّه ممَّا لا يَحضُرُه الرِّجالُ، وعندَ أَبي حَنيفةَ أنَّه ممَّا لا يُباشِرُه إلا النِّساءُ. وأمَّا الشَّهادةُ فيما سِوى ذلك من أحوالِ أبدانِهِنَّ، فتَنقَسِمُ ثَلاثةَ أقسامٍ: أحَدُها: ما اتَّفَقوا على جَوازِ شَهادةِ النِّساءِ المُنفَرِداتِ فيه، وهو ما حَرُمَ على ذَوي المَحارِمِ تَعمُّدُ النَّظرِ إليه فيما بينَ السُّرةِ والرُّكبةِ، سَواءٌ كانَ في الفَرجِ كالقَرنِ، والرَّتقِ، أو كانَ ممَّا عَداه من بَرصٍ أو غَيرِه، تَعليلًا عندَ الشافِعيِّ بأنَّه لا يُشاهِدُه الرِّجالُ، وتَعليلًا عندَ أَبي حَنيفةَ بأنَّه لا يُباشِرُه إلا النِّساءُ، فإنْ قيلَ: فهي عَورةٌ من المَرأةِ تَحرُمُ على الرِّجالِ والنِّساءِ، فلِمَ جَوَّزتُم فيها شَهادةَ النِّساءِ معَ مُشارَكتِهِنَّ للرِّجالِ في التَّحريمِ؟ قيلَ: لأنَّها في حُقوقِ الرِّجالِ أغلَظُ تَحريمًا منها في حُقوقِ النِّساءِ؛ لأنَّ تَحريمَها في الرِّجالِ مُختَّصٌّ بمَعنَيَينِ: أحَدُهما: سَتْرُ العَورةِ، والآخَرُ: قَطعُ الشَّهوةِ.