للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنَّه : «كانَ يُصلِّي العِشاءَ بعدَ مُضِيِّ ثُلُثِ اللَّيلِ»، فلو كانَ الشَّفقُ هو البَياضَ لَمَا كانَ مُؤخِّرًا لها، بل كانَ مُصلِّيا في أوَّلِ الوقتِ؛ لأنَّ البَياضَ يَبقَى إلى ثُلُثِ اللَّيلِ، خُصوصًا في الصَّيفِ.

وأمَّا نِهايةُ وقتِ العِشاءِ:

فقالَ أَبو بَكرٍ الجَصَّاصُ : لا خِلافَ بينَ الفُقهاءِ أنَّها لا تَفوتُ إلا بطُلوعِ الفَجرِ، وأنَّ مَنْ أدرَكَ أو أسلَمَ قبلَ طُلوعِ الفَجرِ أنَّه تَلزَمُه العِشاءُ الآخِرةُ، وكذلك المَرأةُ إذا طَهُرت مِنْ الحَيضِ (١).

وهذا هو وقتُ الجَوازِ أو الضَّرورةِ عندَ العُلماءِ؛ لقولِ النَّبيِّ : «ليس في النَّومِ تَفرِيطٌ، إنَّما التَّفرِيطُ على مَنْ لم يُصلِّ الصَّلاةَ حتى يَجِيءَ وقتُ الصَّلاةِ الأُخرَى» (٢). والصَّلاةُ التي تَلِي العِشاءَ هي الفَجرُ، وهذا بخِلافِ صَلاةِ الفَجرِ بالإجماعِ؛ فإنَّ آخر وقتِها طُلوعُ الشَّمسِ.

أمَّا وقتُ الاختِيارِ فقالَ مالِكٌ والشافِعيُّ وأحمدُ في المَشهورِ عنهم: إنَّه ثُلُثُ اللَّيلِ؛ لِحَديثِ إمامَةِ جِبريلَ بالنَّبيِّ في اليَومِ الثاني في ثُلُثِ اللَّيلِ، وقالَ: «الوقتُ ما بينَ هَذَينِ» (٣).

واختَلفَ أصحابُ أبي حَنيفةَ، فمنهم مَنْ قالَ: إلى ما قبلَ ثُلُثِ اللَّيلِ، ومنهم مَنْ قالَ: إلى ثُلُثِ اللَّيلِ، ومنهم مَنْ قالَ: إلى نِصفِ اللَّيلِ، وهو القولُ الآخَرُ لِلشافِعيِّ وأحمدَ؛ لحَديثِ عَبد اللهِ بنِ عمرٍو، وفيه: «ووقعَت


(١) «أحكام القرآن» (٣/ ٢٦٣، ٢٦٤).
(٢) رواه مسلم (٦٨١).
(٣) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تَقَّدَمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>