للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّكنُ الرابِعُ: الصِّيغةُ:

يُشتَرطُ لصِحةِ الإِقرارِ أنْ يَأتِيَ المُقِرَّ بصيغةٍ تَدلُّ على الإِقرارِ ولا تَكفي نيَّتُه لهذا.

قالَ ابنُ القَيمِ : إنَّ اللَّهَ تَعالى وضَعَ الأَلفاظَ بينَ عِبادِه تَعريفًا ودِلالةً على ما في نُفوسِهم، فإذا أرادَ أحَدُهم مِنْ الآخَرِ شَيئًا عرَّفَه بمُرادِه وما في نَفسِه بلَفظِه ورتَّبَ على تِلكَ الإِراداتِ والمَقاصِدِ أَحكامَها بواسِطةِ الأَلفاظِ، ولم يُرتِّبْ تلك الأَحكامَ على مُجرَّدِ ما في النُّفوسِ مِنْ غيرِ دِلالةِ فِعلٍ أو قَولٍ ولا على مُجرَّدِ أَلفاظٍ مع العِلمِ بأنَّ المُتَكلِّمَ بها لم يُرِدْ مَعانيَها ولم يُحِطْ بها عِلمًا، بل تَجاوَزَ للأُمةِ عمَّا حدَّثَت به أنفُسَها ما لم تَعمَلْ به أو تَكلَّمْ به، وتَجاوَزَ لها عمَّا تَكلَّمَت به مُخطِئةً أو ناسيةً أو مُكرَهةً أو غيرَ عالِمةٍ به إذا لم تَكنْ مُريدةً لمَعنى ما تَكلَّمَت به أو قاصِدةً إليه، فإذا اجتَمعَ القَصدُ والدِّلالةُ القَوليةُ أو الفِعليةُ تَرتَّبَ الحُكمُ، هذه قاعِدةُ الشَّريعةِ، وهي مِنْ مُقتضَياتِ عَدلِ اللهِ وحِكمَتِه ورَحمَتِه، فإنَّ خَواطِرَ القُلوبِ وإِرادةَ النُّفوسِ لا تَدخُلُ تَحتَ الاختِيارِ، فلو تَرتَّبَت عليها الأَحكامُ لَكانَ في ذلك أعظَمُ حَرجٍ ومَشقةٍ على الأمةِ، ورَحمةُ اللهِ تَعالى وحِكمَتُه تَأبى ذلك، والغَلطُ والنِّسيانُ والسَّهوُ وسَبقُ اللِّسانِ بما لا يُريدُه العَبدُ بل يُريدُ خِلافَه والتَّكلُّمَ به مُكرَهًا وغيرَ عارِفٍ لمُقتَضاه مِنْ لَوازِمِ البَشريةِ لا يَكادُ يَنفَكُّ الإِنسانُ مِنْ شَيءٍ منه، فلو رُتِّبَ عليه الحُكمُ لَتحرَّجَت الأمةُ وأصابَها غايةُ التَّعَبِ والمَشَقةِ فرفَعَ عنها المُؤاخَذةَ بذلك كُلِّه، حتى الخَطأُ في اللَّفظِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>