للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبضُ الرَّهنِ ولُزومُه:

اختَلَف الفُقهاءُ في الرَّهنِ، هل يَلزَمُ بمُجرَّدِ العَقدِ؟ أم لا يَلزَمُ إلا بالقَبضِ؟

فقال المالِكيَّةُ: يَلزَمُ الرَّهنُ ويَتمُّ بالعَقدِ؛ لأنَّه عَقدٌ لَازِمٌ، فوَجَبَ أنْ يَلزَمَ بالقَولِ نَفْسِه كالنِّكاحِ؛ ولأنَّه عَقدُ وَثيقةٍ، فوَجَب أنْ يَلزَمَ بمُجرَّدِ القَولِ كالضَّمانِ، ولأنَّ الثَّمَنَ يَختلِفُ باختِلافِه إذا شُرِطَ في عَقدِ البَيعِ، فوَجَب أنْ يُلزَمَ بالشَّرطِ نَفْسِه في البَيعِ كالأجَلِ؛ ولأنَّه عَقدٌ لَازِمٌ بعدَ القَبضِ وَجَب أنْ يَكونَ لَازمًا قبلَ القَبضِ كالبَيعِ؛ ولأنَّه عَقدٌ يَصحُّ مُؤجَّلًا وَجَب أنْ يَكونَ بمُجرَّدِ القَولِ لَازمًا كالإجارةِ.

ويُجبَرُ الراهِنُ على دَفعِ الرَّهنِ لِيَحوزَه المُرتَهَنُ؛ لقَولِ اللهِ تَعالَى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] وهذا عَقدٌ، ولقَولِه : ﴿بِالْعَهْدِ﴾ [الإسراء: ٣٤]، وهذا عَهدٌ، ولقَولِ النَّبيِّ : «المُؤمِنونَ عندَ شُروطِهم»، وهذا شَرطٌ، فالقَبضُ شَرطٌ في كَمالِ فائِدَتِه.

قال الدُّسوقيُّ : لا خِلافَ في المَذهبِ أنَّ القَبضَ ليس مِنْ حَقيقةِ الرَّهنِ، وليس شَرطًا في صِحَّتِه ولا لُزومِه، بل يَنعقِدُ ويَصحُّ ويَلزَمُ بمُجرَّدِ القَولِ، ثم يَطلُبُ المُرتَهَنُ الإقباضَ (١).


(١) «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٤/ ٣٧٤)، ويُنظر: و «منح الجليل» (٥/ ٤١٩)، و «الإشراف» (٣/ ٨) رقم (٨٦٣)، و «تحرير المقالة» (٦/ ١٩٢)، و «الجامع لِمسائل المدونة» (١٢/ ٥١٤)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٢٠٦)، و «تفسير القرطبي» (٣/ ٤١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>