للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطَريقِ الأَولَى، ثم نَسخُ الظاهِرِ لا يُوجِبُ نَسخَ الفَحوَى والتَّنبيهِ، وهذه الآيةُ هي الدَّليلُ في نُصوصِ الإِمامِ أَحمدَ وغيرِه من أئِمةِ الحَديثِ المُوافِقينَ للسَّلفِ في العَملِ بهذه الآيةِ وما يُوافِقُها من الحَديثِ أَوجَهُ وأقوَى؛ فإنَّ مَذهبَه قَبولُ شَهادةِ أهلِ الذِّمةِ على المُسلِمينَ في الوَصيةِ في السَّفرِ؛ لأنَّه مَوضعُ ضَرورةٍ، فإذا جازَت شَهادَتُهم لغيرِهم فعلى بعضِهم أشَدُّ جَوازًا.

ولهذا يَجوزُ في الشَّهادةِ للضَّرورةِ ما لا يَجوزُ في غيرِها كما تُقبلُ شَهادةُ النِّساءِ فيما لا يَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ حتى نَصَّ أَحمدُ على قَبولِ شَهادَتَينِ في الحُدودِ التى تَكونُ في مَجامعِهنَّ الخاصةِ مِثلَ الحَماماتِ والعَرصاتِ ونَحوِ ذلك، فالكُفارُ الذين لا يَختلِطُ بهم المُسلِمونَ أَولَى أنْ تُقبَلَ شَهادةُ بعضِهم على بعضٍ إذا حَكَمنا بينَهم واللهُ أمَرَنا أنْ نَحكُمَ بينَهم، والنَّبيُّ رجَمَ الزانيَينِ من اليَهودِ من غيرِ سَماعِ إِقرارٍ منهما، ولا شَهادةِ مُسلمٍ عليهما، ولولا قَبولُ شَهادةِ بعضِهم على بعضٍ لم يَجزْ ذلك، واللهُ أعلَمُ (١).

الشَّرطُ الثانِي: الحُريةُ:

اتَّفَق فُقهاءُ المَذاهِبِ الأربَعةِ على أنَّ شَهادةَ العَبيدِ في الحُدودِ غيرُ جائِزةٍ، واختَلَفوا في غيرِ الحُدودِ هل تُقبلُ أو لا؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ إلى أنَّها لا تُقبلُ مُطلَقًا؛ لقوله ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ﴾


(١) «مجموع الفتاوى» (١٥/ ٢٩٩)، و «زاد المعاد» (٥/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>