لا خِلافَ بينَ عُلماءِ المُسلِمينَ في أنَّه يَحرُمُ البَيعُ بعدَ النِّداءِ إلى الجُمُعةِ، وقد نقَل غيرُ واحِدٍ مِنْ العُلماءِ الإجماعَ على تَحريمِ البَيعِ بعدَ النِّداءِ لِمَنْ تَجِبُ عليه صَلاةُ الجُمُعةِ؛ لقولِ اللهِ تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: ٩]، ولأنَّ فيه إخلالًا بالواجِبِ، وهو السَّعيُ إذا قَعَدا أو وَقَفا يَتبايَعانِ، ويَستمِرُّ التَّحريمُ حتى يُفرَغَ مِنْ الجُمُعةِ.
ثم اختَلَفوا: هل الذي يُحرِّمُ البَيعَ والشِّراءَ النِّداءُ الأوَّلُ أو الآخَرُ؟
فذهَب الحَنفيَّةُ في قَولٍ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الذي يُحرِّمُ إنَّما هو النِّداءُ الثَّاني الذي بينَ يَدَيِ الإمامِ؛ لأنَّه النِّداءُ الذي كانَ في عَهدِ النَّبيِّ ﷺ؛ فلا يَنصرِفُ النِّداءُ عندَ إطلاقِه إلَّا إليه.
وذهَب الحَنفيَّةُ في المَذهبِ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّه يَحرُمُ البَيعُ ويَجِبُ السَّعيُ بالنِّداءِ الأوَّلِ، الذي يَكونُ بعدَ الزَّوالِ؛ لِحُصولِ الإعلامِ به، ومَعلومٌ أنَّه يَكونُ بعدَ الزَّوالِ؛ إذِ الأذانُ الذي قبلَه ليسَ بأذانٍ؛ ولأنَّه لو اعتُبِرَ في وُجوبِ السَّعيِ الأذانُ الثَّاني لَم يَتمكَّنْ مِنْ السُّنةِ القَبليَّةِ، ومِنَ الِاستِماعِ، بَلْ رُبَّما يُخشَى عليه فَواتُ الجُمُعةِ، إذا كانَ بَيتُه بَعيدًا مِنْ الجامِعِ.
ثم اختَلَفوا: هلِ البَيعُ صَحيحٌ مع الحُرمةِ أو فاسِدٌ؟
فذهَب الحَنفيَّةُ والشافِعيَّةُ والمالِكيَّةُ في قَولٍ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّ البَيعَ صَحيحٌ مع الحُرمةِ؛ لأنَّ النَّهيَ عنِ البَيعِ هُنا ليسَ نَهيًا عنه لِذاتِه، بَلْ