للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّكنُ الأولُ: الصِّيغةُ أو الإيجابُ والقَبولُ:

اتَّفقَ الفُقهاءُ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ في الصَّحيحِ والحَنابِلةُ على أنَّ المُساقاةَ لا تَنعقِدُ إلَّا بالإيجابِ والقَبولِ.

قالَ الحَنفيَّةُ: رُكنُ المُساقاةِ والمُزارَعةِ هو الإيجابُ والقَبولُ، فإذا قالَ صاحِبُ الأشجارِ لِلعاملِ: أعطَيتُكَ هذه الأشجارَ على وَجْهِ المُساقاةِ، على أنْ تَأخُذَ مِنْ ثَمرَتِها كَذا حِصَّةً، وقالَ العامِلُ: قَبِلتُ، أو رَضيتُ، أو ما يَدلُّ على قَبولِه ورِضاه، فإذا وُجِدا تَمَّ العَقدُ بَينَهما.

وَلا تَنعقِدُ المُساقاةُ بدونِ الإيجابِ والقَبولِ. مثلًا: لَو رَمَى الرِّيحُ بَذْرَ أحَدٍ في عَرصةِ آخَرَ، وحَصَلَ مِنْ ذلك البَذْرِ فسائِلُ أشجارٍ، تَكونُ تلك الفَسائِلُ لِصاحِبِ الأرضِ؛ لأنَّه لا قِيمةَ لِلبَذْرِ، وكذلك لَو سقطَ بَذْرُ شَجرِ خَوخٍ لِأحَدٍ في عَرصةِ أحَدٍ ونَبتَ، تَكونُ الفَسيلةُ لِصاحِبِ العَرصةِ؛ لأنَّه لَم يَنبُتْ بَذْرُ الخَوخِ إلَّا بعدَ ذَهابِ اللَّحمِ، وليسَ له قِيمةٌ بعدَ ذلك (١).

وأمَّا المالِكيَّةُ؛ فقالَ سُحنونُ : تَنعقِدُ المُساقاةُ بصِيغةِ: ساقَيتُ، أو بصِيغةِ عامَلتُ؛ لأنَّ كِلتَيْهِما عَقدٌ عن مَنافِعَ.

وقالَ ابنُ القاسِمِ : لا تَنعقِدُ إلَّا بساقَيتُ فقَطْ، لا بلَفظِ إجارةٍ أو شَرِكةٍ أو بَيعٍ، فلا تَنعقِدُ بذلك، أي: مِنْ البادِئِ مِنهما، كالنِّكاحِ، ويَكفي مِنْ الثَّاني أنْ يَقولَ: قَبِلتُ، أو رَضيتُ، ونَحوَ ذلك.

وَدَليلُ ابنِ القاسِمِ على أنَّها لا تَجوزُ بغَيرِ ساقَيتُ: أنَّ المُساقاةَ أصْلٌ


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٧٦)، و «درر الحكام شرح مجلة الأحكام» (٣/ ٥٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>