قدْ تقدَّمَ الكَلامُ أنَّ مِنْ شُروطِ صِحةِ الوَقفِ أنْ يَكونَ على جِهةِ بِرٍّ وقُربَةٍ عند بَعضِ العُلماءِ كالحَنفيةِ والحَنابلةِ في المَذهبِ، لكنْ نَظرًا لأَهمِّيةِ هذه المَسألةِ أَفرَدْتُ ذِكرَها، وهي حُكمُ الوَقفِ على مُباحٍ، فأكثَرُ مَنْ شدَّدَ في عَدمِ جَوازِ الوَقفِ على المُباحِ هو شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ وتِلميذُه ابنُ القَيِّمِ.
قالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ ﵀: الأصلُ أنَّ كلَّ ما شُرِطَ مِنْ العَملِ في الوُقوفِ التي تُوقَفُ على الأعمالِ فلا بُدَّ أنْ يَكونَ قُربةً، إمَّا واجِبًا وإمَّا مُستحبًّا، أمَّا اشتِراطُ عَملٍ مُحرَّمٍ فلا يَصحُّ باتِّفاقِ المُسلمينَ، بل كذلكَ المَكروهُ وكذلكَ المُباحُ على الصَّحيحِ …
إذا كانَتْ شُروطُ الواقفِ تَنقسِمُ إلى صَحيحٍ وباطِلٍ بالاتِّفاقِ فإنْ شرَطَ فِعلًا مُحرَّمًا ظهَرَ أنه باطِلٌ، فإنه لا طاعَةَ لمَخلوقٍ في مَعصيةِ الخالقِ.
وإنْ شرَطَ مُباحًا لا قُربةَ فيهِ كانَ أيضًا باطِلًا؛ لأنه شرَطَ شَرطًا لا مَنفعةَ فيهِ لا له ولا للمَوقوفِ عليه، فإنه في نَفسِه لا يَنتفعُ إلا بالإعانةِ على البِرِّ والتَّقوَى.
وأمَّا بَذلُ المالِ في مُباحٍ فهذا إذا بذَلَه في حَياتِه مثلَ الابتِياعِ والاستِئجارِ جازَ؛ لأنه يَنتفعُ بتَناوُلِ المُباحاتِ في حَياتِه.
وأمَّا الواقفُ والمُوصِي فإنهما لا يَنتفعانِ بما يَفعلُ المُوصَى له والمَوقوفُ عليه مِنْ المُباحاتِ في الدُّنيا، ولا يُثابانِ على بَذلِ المالِ في ذلكَ