اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو أقَرَّ لفُلانٍ بألفَينِ مَثلًا فقالَ:«لفُلانٍ علَيَّ أَلفانِ، لا بل ألفٌ» هل يَلزَمُه ألفٌ أو أَلفانِ أو ثَلاثةُ آلافٍ؟
فذهَبَ الحَنفيةُ في المَذهبِ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّ مَنْ قالَ لغَيرِه:«علَيَّ لفُلانٍ ألفٌ لا بل أَلفانِ» لزِمَه أَلفانِ؛ لأنَّ قَولَه:«لفُلانٍ علَيَّ ألفُ دِرهَمٍ» إِقرارٌ بألفٍ، وقَولَه:«لا» رُجوعٌ، وقَولَه:«بل» استِدراكٌ.
والرُّجوعُ عن الإِقرارِ في حُقوقِ العِبادِ غيرُ صَحيحٍ، والاستِدراكُ صَحيحٌ، فأشبَهَ الاستِدراكَ في خِلافِ الجِنسِ، وكما إذا قالَ لامرَأتِه:«أنتِ طالِقٌ واحِدةً، لا بل اثنَتَينِ» أنَّه يَقعُ ثَلاثَ تَطليقاتٍ (١).
وذهَبَ زُفَرُ مِنْ الحَنفيةِ -وهو الاستِحسانُ عِندَهم- إلى أنَّه يَلزَمُه ثَلاثةُ آلافٍ؛ لأنَّ كَلِمةَ «لا بل» رُجوعٌ عن الأوَّلِ واستِدراكُ غَلطٍ بالثاني، والرُّجوعُ عن الأوَّلِ لا يَصحُّ، وإِقرارُه بالمالَينِ صَحيحٌ، فلَزِماه، فصارَ كما إذا اختَلفَ المُقَرُّ لهما أو اختَلفَ جِنسُ المالَينِ بأنْ قالَ:«لفُلانٍ علَيَّ ألفُ دِرهَمٍ لا بل ألفُ دينارٍ» فإنَّه يَلزَمُه المالانِ؛ لما قُلنا، فكذا هذا.
ولأنَّ الإِقرارَ إخبارٌ، والمُخبِرَ عنه ممَّا يَجري الغَلَطُ في قَدرِه أو وَصفِه
(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٢١٢)، و «مختصر اختلاف العُلماء» (٤/ ٢٢٠)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٢٣)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٢٣٨)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ٩٦)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ١٠١)، و «الأم» (٦/ ٢٢١)، و «التنبيه» ص (٢٧٥)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٧٦٤)، و «مطالب أولي النهى» (٦/ ٦٩٨).