للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ﴾ [آل عمران: ١١٨]، وهذه الآيةُ كتَبَ بها عُمرُ إلى أَبي موسى حينَ اتَّخذَ كاتِبًا نَصرانيًّا، وقالَ أَبو حَنيفةَ: الوَصيةُ إليه مَوقوفةٌ على فَسخِ الحاكِمِ، فإنْ تَصرفَ قبلَ أنْ يَفسخَها الحاكِمُ عليه كانَ تَصرُّفُه نافِذًا، وهذا فاسِدٌ؛ لأنَّه لا يَخلو أنْ تَكونَ الوَصيةُ إليه جائِزةً فلا يَجوزُ للحاكِمِ أنْ يَفسخَها عليه، أو تَكونَ باطِلةً فلا يَجوزُ فيها تَصرفُه، وإذا كانَ هكذا وجَبَ أنْ يَكونَ تَصرفُه فيما يَتعلَّقُ بعَقدٍ أو اجتِهادٍ مَردودًا، فأمَّا ما تَعيَّن من دَينٍ قَضاه أو وَصيةٍ بمُعيَّنٍ لمُعيَّنٍ دفَعَها فلا يَضمنُها؛ لوُصولِ ذلك إلى مُستحِقِّه، ولأنَّه لو أخَذَه مُستحِقُّه من غيرِ نائِبٍ أو وَسيطٍ صارَ إلى حَقِّه، وليسَ كالذي يَعقدُه من بَيعٍ أو يَجتهدُ فيه من تَفريقِ ثُلثٍ، بل ذلك كلُّه مَردودٌ، وهو لمَا دفَعَه من ذلك ضامِنٌ، فأمَّا وَصيةُ الكافِرِ إلى المُسلمِ فجائِزةٌ لظُهورِ أَمانتِه فيها (١).

الوَصيةُ من كافِرٍ إلى كافِرٍ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في الكافِرِ إذا أَوصَى لكافِرٍ عَدلٍ في دِينِه هل تَصحُّ الوَصيةُ أو لا؟

وإنْ وَصَّى كافِرٌ إلى كافِرٍ، فإنْ كانَ الكافِرُ غيرَ رَشيدٍ وغيرَ عَدلٍ في دِينِه لم تَصحَّ الوَصيةُ إليه؛ لأنَّ عَدمَ العَدالةِ في المُسلمِ تَمنعُ صِحةَ الوَصيةِ إليه، فالكافِرُ أوْلى، كما نَصَّ على ذلك الشافِعيةُ والحَنابِلةُ.


(١) «الحاوي الكبير» (٨/ ٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>