جُبَّةٍ، وقُماشُها وكلُّ لَوازِمِها مِنَ الخَيَّاطِ، يَكونُ قد استَصنَعَه تلك الجُبَّةَ، وذلك هو الذي يُدْعى الاستِصناعَ، أما لو كان القُماشُ مِنَ المُستَصنِعِ وقاوَلَه على صُنعِها فَقَطْ يَكونُ قد استأجَرَه، والعَقدُ حينَئذٍ عَقدُ إجارةٍ لا عَقدُ استِصناعٍ (١).
هل الاستِصناعُ بَيعٌ أو مُواعَدةٌ؟
اختَلَف مَشايخُ الحَنفيَّةِ في عَقدِ الاستِصناعِ هل هو بَيعٌ أو مُواعَدةٌ؟
فقال بَعضُهم: هو مُواعَدةٌ وليس ببَيعٍ، وإنَّما يَنعقِدُ بَيعًا بالتَّعاطي إذا جاء به مَفروغًا منه؛ ولِهذا ثَبَت فيه الخيارُ لِكُلِّ واحِدٍ منهما، ولِهذا كان لِلصانِعِ ألا يَعمَلَ ولا يُجبَرَ عليه، بخِلافِ السَّلَمِ، ولِلمُستَصنِعِ ألا يَقبَلَ ما يُؤتَى به ويَرجِعَ عنه ولا تَلزَمَه المُعامَلةُ.
وقال بَعضُهم وهو الصَّحيحُ مِنَ المَذهبِ: هو بَيعٌ لكنْ لِلمشتَري فيه خيارٌ، بدَليلِ أنَّ مُحمدًا ﵀ ذَكَر في جَوازِه القياسَ والاستِحسانَ، وذلك لا يَكونُ في المَواعيدِ؛ لأنَّ المَواعيدَ تَجوزُ قياسًا واستِحسانًا، وكذا أثبَتَ فيه خيارَ الرُّؤيةِ، وأنَّه يَختَصُّ بالبِياعاتِ، وكذا يَجري فيه التَّقاضي، وإنَّما يُتقاضى فيه الواجِبُ، لا المَوعودُ؛ ولأنَّه جائِزٌ فيما فيه تَعامُلٌ دونَ ما ليس فيه تَعامُلٌ، ولو كان مُواعَدةً جازَ في الكُلِّ وسَمَّاه شِراءً، فقال: إذا رآه المُستَصنِعُ فهو بالخيارِ؛ لأنَّه اشتَرى ما لَم يَرَه، ولأنَّ الصانِعَ يَملِكُ الدَّراهِمَ بقَبضِها، ولو كان العَقدُ مُواعَدةً لَم يَملِكْها.