والثاني: أنْ يَكونَ العَملُ مَقصودًا لكنَّه مَجهولٌ، أو غَرَرٌ، فهذه الجَعالةُ، وهي عَقدٌ جائِزٌ ليس بلَازمٍ؛ فإذا قال:«مَنْ رَدَّ عَبدي الآبِقَ فله مِئةٌ»، فقد يَقدِرُ على رَدِّه وقد لا يَقدِرُ، وقد يَرُدُّه مِنْ مَكانٍ قَريبٍ وقد يَرُدُّه مِنْ مَكانٍ بَعيدٍ، فلِهذا لَم تَكُنْ لَازمةً، لكنْ هي جائِزةٌ؛ فإنْ عَمِل هذا العَملَ استَحقَّ الجُعلَ، وإلَّا فلا.
وأمَّا النَّوعُ الثالِثُ: فهو ما لا يُقصَدُ فيه العَملُ، بل المَقصودُ المالُ، وهو المُضارَبةُ؛ فإنَّ رَبَّ المالِ ليس له قَصدٌ في عَملِ العامِلِ نَفْسِه، كما لِلجاعِلِ والمُستأجِرِ قَصدٌ في عَملِ العامِلِ، ولِهذا لو عَمِل ما عَمِل ولَم يَربَحْ شَيئًا لَم يَكُنْ له شَيءٌ، وإنْ سَمَّى هذا جَعالةً بجُزءٍ مما يَحصُلُ بالعَملِ كان نِزاعًا لَفظيًّا، بل هذه مُشاركةُ هذا بنَفعِ بَدنِه، وهذا بنَفعِ مالِه، وما قَسَم اللهُ ﷾ مِنَ الرِّبحِ كان بينَهما على الإشاعةِ، ولِهذا لا يَجوزُ أنْ يُخصَّ أحَدُهما برِبحٍ مُقدَّرٍ؛ لأنَّ هذا يُخرِجُهما عن العَدلِ الواجبِ في الشَّركةِ (١).