للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمَن أَحبَّ أَنْ يَجلسَ للخُطبَةِ فليَجلِس، ومَن أَحبَّ أَنْ يَذهبَ فليَذهَب» (١). قالَ ابنُ قُدامةَ : وإنَّما أُخِّرت عن الصَّلاةِ (واللهُ أعلَمُ) لأنَّها لمَّا كانَت غيرَ واجِبةٍ جُعِلت في وَقتٍ يَتمكَّنُ مَنْ أرادَ تَركَها مِنْ تَركِها، بخِلافِ خُطبةِ الجمُعةِ، والاستِماعُ لها أفضَلُ (٢).

وقالَ النَّوويُّ : ويُستحبُّ للنَّاسِ استِماعُ الخُطبةِ، وليسَت الخُطبةُ ولا استِماعُها شَرطًا لصحَّةِ صَلاةِ العِيدِ، لكِن قالَ الشافِعيُّ: لو ترَكَ استِماعَ خُطبةِ العِيدِ أو الكُسوفِ أو الاستِسقاءِ أو خُطبَ الحَجِّ أو تَكلَّمَ فيها أو انصَرفَ وترَكَها، كَرِهتُ ذلك له، ولا إعادةَ عليه (٣).

وقالَ ابنُ الحاجِّ المالِكيُّ: السُّنةُ ألَّا يَنصرِفَ بعدَ الصَّلاةِ حتى يَفرُغَ الإمامُ مِنْ خُطبَتِه، وإن كانَ لا يَسمعُها (٤).

التَّكبيرُ في عِيدِ النَّحرِ وعِيدِ الفِطرِ:

قالَ الوَزيرُ ابنُ هُبيرةَ : واتَّفقُوا -أي: الأئمَّةُ الأربَعةُ- على أنَّ التَّكبيرَ في عِيدِ النَّحرِ مَسنونٌ.

ثم اختَلَفوا في التَّكبيرِ لعِيدِ الفِطرِ، فقالوا كلُّهم: يُكبَّرُ فيه، إلا أبا حَنيفةَ (٥)؛ فإنَّه قالَ: لا يُكبَّرُ.


(١) حَديثٌ صَحيحٌ: رواه أبو داود (١١٥٥)، وابن ماجه (١٢٩٠).
(٢) «المغني» (٣/ ١٢١)، ويُنظر: «كشاف القناع» (٢/ ٥٦).
(٣) «المجموع» (٦/ ٨٤).
(٤) «المدخل» (٢/ ٢٨٤)، و «مواهب الجليل» (٢/ ١٩٦)، و «نيل الأوطار» (٣/ ٣٧٦).
(٥) قال في شَرح «فتح القدير» (٢/ ٧٢): الخلاف -أي بين أبي حَنيفةَ وصاحبيه- في الجهرِ بالتكبيرِ في الفطرِ، لا في أصلِه؛ لأنه داخلٌ في عُمومِ ذكرِ الله تَعالى، فعندهما يَجهَر به كالأضحى، وعنده لا يَجهَر، وعن أبي حَنيفةَ كقولهما قال: وفي الخلاصةِ ما يفيدُ أن الخلافَ في أصل التكبيرِ، وليسَ بشيءٍ؛ إذ لا يمنعُ من ذِكرِ الله تَعالى بسائرِ الأَلفاظِ في شيءٍ من الأَوقاتٍ، بل من إِيقاعُه على وجهِ البِدعةِ، فقالَ أبو حَنيفةَ: رفعُ الصوتِ بالذكرِ بدعةٌ ويَخالفُ الأَمرَ من قوله تَعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [الأعراف: ٢٠٥]؛ فيَقتصِرُ فيه على مَوردِ الشَّرعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>